قبل ربع قرن من الآن كانت الأدبيات تتحدث عن المثلث الأميركي الهندي الإسرائيلي والتآمر على العالم العربي والإسلامي وبعد مضي هذا الربع وصل أول رئيس لأكبر دولة في العالم إلى الهند، وتحقيق الهدف من الزيارة من خلال الاتفاقيات النووية السلمية التي وقعت مع الهند.
يبدو أننا نعيش سجن التعميم المعتم عند رؤيتنا للعلاقات الدولية التي تصنف لدينا وفق ازدواجية المعايير والسؤال المباشر الذي طرح عقب وقبل الانتهاء من مراسم تلك الاتفاقية النووية السلمية والتي أفرجت عن أربعة عشر موقعا نوويا ووضعت طواعية تحت إمرة لجنة الطاقة الدولية للقيام بما يمليه عليها واجب الحفاظ على الأمن والسلم العالمي.
السؤال الذي طرح على طول خط التماس مع الاتفاقية السلمية النووية هو: لماذا الهند وليست إيران؟ إشارة إلى الأزمة المتصاعدة حول العودة إلى تخصيب اليورانيوم في لغة تحدٍ صارخ للمجتمع الدولي الذي بانتظار قرار الفصل لمجلس الأمن بعد أن قاربت فصول الكتاب النووي الإيراني على الانتهاء وبدء افتتاح المجلد الدولي بأجزائها الصعبة.
سئل أحد المسؤولين الأميركيين ذات السؤال فكانت الإجابة بكلمة واحدة لا غير ألا وهي: النظام، أي النظام الذي يحكم البلدين، أما الإجابة العربية والإسلامية في الضفة الأخرى فقد اقتصرت كذلك على كلمة واحدة وهي: الازدواجية.
والفرق بين الكلمتين هو الذي يؤزم القضايا لدينا ويجعل الآخرين يمضون قدما في مشاريعهم المستقبلية ونحن نحفر الأرض من تحت أقدامنا ولا نشعر حتى ندفن أنفسنا بأيدينا فنلقي باللائمة على الثالوث المتربص بنا الدوائر من كل الجهات، وننسى بأن العلاقات الدولية حمالة أوجه ولا تحمل في طياتها معيارا ثابتا يمكن لنا الاتكاء عليه كلما حلت علينا الدوائر الالكترونية أو غيرها.
إذا أجرينا مقارنة مقتضبة بين النظام الإسلامي ذي اللون الشيعي في إيران وبين النظام العلماني الذي يضم تحت لوائه آلاف الأديان ومئات اللغات ومع ذلك استطاعت الهند أن تعيش في دائرة سلام مهاتما غاندي ولم تستطع إيران أن تعيش ذات الأجواء مع جيرانها المسلمين، لذا يزداد قلق العرب من امتلاك إيران للسلاح النووي وعلى رأسهم دول الخليج.
ولا يزداد قلق العرب ولا المسلمين من امتلاك الهند للسلاح النووي الهندي، لأن المشكلة انحصرت في دائرة باكستان ولم تبتعد عنها منذ تقسيم شبه القارة الهندية إلى ثلاث دول.
فإصرار إيران على امتلاك السلاح النووي ولو تحت ذريعة الاستخدام السلمي لا يعطي العالم الأكبر ولا الأصغر الاطمئنان والثقة من دولة على أتم الاستعداد لخوض الحروب باستصدار الفتاوى الدينية ولا نقول القرارات السيادية وقد أخرجت نماذج تلك الفتاوى أيام حرب الخليج الأولى والإصرار على الاستمرار في احتلال الجزر الإماراتية مباشرة بعد خروج الاستعمار البريطاني من الخليج وإعلان دولة الاتحاد في خطوة غير مسبوقة على مستوى العلاقات بين الدول التي كانت بانتظار مباركة الجارة المسلمة إيران لخروج المستعمر الأجنبي بدل الانتقال إلى دور المحتل.
ولا ننسى أن الهند قد عانت كذلك من الاحتلال البريطاني، بل إنها فقدت أبناءها تحت راية المستعمر ومعاركه المتواصلة ومع ذلك بعد الاستقلال استطاعت الهند أن تبني لها سياسة متوازنة في التعامل مع الشيطان الأكبر -الذي تتميز سيرته الذاتية بخلوها من الاستعمار وذلك خلال 270 عاما من ولادتها- وفق المصطلح الإيراني وتنال ما تريد من تأييد ما لم تستطع إيران القيام به مع الخارج الناقم عليها، حتى مع اللون الآخر للإسلام الذي يعاني ما يعاني من الداخل.