تقوم تركيا في الوقت الراهن بإحياء مشروعها الذي تأجل طويلاً للحصول على الطاقة النووية، مدفوعة في ذلك بنقص خطير في الطاقة داخل حدودها، وبالطموحات النووية لجارتها إيران، التي تهدد بقلب ميزان القوى الإقليمي.
وحول هذا الأمر أدلى وزير الطاقة التركي "حلمي جولر" بتصريح الشهر الماضي أعلن من خلاله عن خطط بلاده الرامية لبناء خمسة مفاعلات طاقة نووية قال فيه: "إن الزيادة الكبيرة في أسعار النفط، والحاجة إلى مصادر طاقة متعددة، تجعل من احتياجنا للطاقة النووية أمراً يحتل أولوية قصوى لدينا".
ويذكر في هذا السياق أن المفاعل الأول الذي يقام في منطقة "سينوب" المطلة على البحر الأسود، سيبدأ العمل عام 2012، ليخفف من اعتماد تركيا الباهظ التكلفة على الغاز الطبيعي الذي يصل 90 في المئة منه إليها بواسطة خط أنابيب قادم من روسيا وإيران.
تبدو تركيا باقتصادها النامي بسرعة، وعدد سكانها البالغ 70 مليون نسمة، واحتياطياتها النفطية الشحيحة، مرشحاً منطقياً لاستخدام الطاقة النووية. والوزير "جولر" الذي أدلى بملاحظاته السابقة أثناء زيارته إلى منشأة طاقة نووية في فرجينيا بالولايات المتحدة، قال إن المفاعلات النووية التركية الجديدة يمكن أن توفر عُشر كمية الـ54.0000 ميجاوات التي يتوقع أن تركيا ستحتاج إليها على مدى العقدين القادمين.
ويقول "فاتح بيرول"، كبير الاقتصاديين الدوليين بوكالة الطاقة التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي منظمة للتعاون تضم 30 دولة تدعم الحكم الرشيد، في تصريح، بعد بيان إيجازي أدلى به أمام وزيري الخارجية والطاقة في تركيا منذ عدة أسابيع: "تركيا دولة فقيرة جداً في مجال الطاقة وهذا يجعلها مكشوفة للغاية، وأنا أعتقد أن حكومتنا مصممة نوعاً ما على المضي قدما في هذا الطريق".
والبرنامج النووي لإيران المجاورة، والذي وصفته الولايات المتحدة ودول أخرى بأنه غطاء لتطوير أسلحة نووية، يخيم بظله فوق موضوع إحياء البرنامج النووي التركي، الذي بدأ عدة بدايات زائفة منذ مطلع الستينيات ولكن لم يقدر له الاكتمال. وإيران وتركيا متماثلتان تقريباً في عدد السكان، وفي الاقتصاد، وتنظران إلى بعضهما بعضاً على أنهما دولتان متماثلتان تقريبا، في منطقة معروف عنها أنها قابلة للاشتعال، ولا توجد فيها قوة مهيمنة.
تعليقا على ذلك الوضع يقول "أوزديم سانبرك" السفير التركي السابق في واشنطن والذي يترأس مجموعة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التركية في اسطنبول: "إن إيران بإنتاجها النووي، ستكون هي القوة المهيمنة في المنطقة وسيكون هناك نوع من العلاقة اللامتساوية بينها وبين غيرها من الدول". وقد ذهب "سانبرك" مؤخراً إلى أن تركيا ليس أمامها من خيار سوى السعي إلى برنامج نووي خاص بها يتماشى مع اتفاقية حظر الانتشار النووي.
وكتب سانبرك عن ذلك يقول: "إذا ما أردنا أن نترك بلدا مستقلاً لأجيالنا المستقبلية، فيجب علينا أن نعرف أننا لم نعد نمتلك رفاهية التأخير".
ويحاول المسؤولون الأميركيون استغلال القلق التركي بشأن التطورات الحادثة في إيران، كجزء من المجهود الدولي الرامي لإقناع إيران بتعليق برنامجها النووي. في الشهر الماضي أمضى المبعوث الأميركي للوكالة الدولية للطاقة الذرية "جريج شولته" يومين في أنقرة، بغرض إجراء ما وصفته السفارة الأميركية هناك بـ"حوار مكثف واتفاق تعاون" حول المسألة الإيرانية. ويلاحظ أن كبار مسؤولي حزب العدالة والتنمية، الذي يحكم تركيا، والذي تعطيه جذوره الإسلامية مدخلا للتحاور مع طهران، قد قاموا برفع نبرة الاحتجاج مؤخراً بشأن البرنامج النووي الإيراني، وهو ما يبدو من التصريح الذي أدلى به "عبدالله جول" وقال فيه: "إن تركيا تشعر بالحزن لقيام إيران بالبدء مجدداً في تخصيب اليورانيوم".
وأية خطوة تركية نحو الحصول على برنامج للأسلحة النووية، ستكون بمثابة مفارقة دراماتيكية للسياسة الخارجية طويلة الأمد لتركيا ولعقيدتها العسكرية. فالدبلوماسيون الأتراك، وجنرالات المؤسسة العسكرية الأقوياء يقومون، مسترشدين في ذلك بالشعار الذي صاغه مؤسس الجمهورية التركية "مصطفي كمال أتاتورك" وهو: "السلام في الوطن والسلام في العالم"، بالاستثمار بكثافة في المؤسسات الدولية من خلال حشد قواتهم بشكل متكرر في أفغانستان مؤكدين بذلك أن بلدهم من أكثر الدول التزاماً بمعاهدة حظر الانتشار النووي.
"إن سياسة الدولة التركية هي دائما على النحو التالي: مارس اللعبة مع الالتزام بقواعدها"، هذا ما قاله "مصطفى كيبار أوغلو" خبير الانتشار النووي في جامعة "بيلكينت" واستدرك أوغلو: "أما إذا ما أصبحت إيران نووية، فإنه لا أحد يدري ما الذي يمكن أن يحدث".
في الماضي، كان "كيبار أوجلو" يرى ميزة في إقامة صناعية نووية في تركيا. أما في المقابلة الأخيرة التي أجريت معه فإنه دعا إلى استخدام البدائل بما في ذلك تطوير شبكة القوى الكهربائية التركية والتي يتسرب منها ربع كمية الطاقة الكهربائية التي يتم إنتاجها في البلاد.
كان ما قاله "أوغلو" في هذا