تعيش الولايات المتحدة حالة من العزلة جراء معارضتها لمقترح تقدمت به الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ويقضي باستبدال مفوضية حقوق الإنسان الحالية، الفاقدة لمصداقيتها، بمجلس جديد لحقوق الإنسان. وقد أدى تلويح واشنطن بالتصويت ضد الخطة الجديدة إلى تعقيد الوضع في الأمم المتحدة وفتح باب الفوضى على مصراعيه. ورغم مشاركة العديد من ممثلي الدول لواشنطن بعض شكوكها حول المقترح، إلا أنهم يخشون في الوقت نفسه من أن يؤدي تأجيله أو إعادة التفاوض حوله -وهما الخياران اللذان تقدم بهما جون بولتن السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة- إلى تقويض الجهود الرامية إلى إحداث هيئة أممية تعنى بحقوق الإنسان وتتمتع بالمصداقية اللازمة. وفي هذا الصدد يعتقد هيرالدو مونوز، السفير التشيلي لدى الأمم المتحدة، أن "الدخول في مفاوضات جديدة سوف يفتح أبواب الجدل والخلاف، بينما إرجاء الموضوع سيؤثر سلبا على حقوق الإنسان التي يتعين أن تحتل الأولوية في الأجندة الإصلاحية للأمم المتحدة".
ويضيف مونوز الذي يعتبر أحد أشد المدافعين عن الديمقراطية وأحد ضحايا الاعتقال في عهد الديكتاتور السابق أوجوستو بينوشي قائلا: "إن المقترح الجديد القاضي بإنشاء هيئة مغايرة تُعنى بحقوق الإنسان ليس الحل المثالي، لكنه حل وسط توافقت عليه العديد من الدول باستثناء الولايات المتحدة". من جانبها تضغط الجماعات الناشطة في مجال حقوق الإنسان بكل همة في اتجاه اعتماد المقترح في محاولة لاستباق أي رفض أميركي، خصوصا وأن هناك شكوكا تحوم حول الأهداف الحقيقية الكامنة وراء معارضة جون بولتن للمقترح. وحول تلك الأهداف يقول كينيث روث المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش: "لا نعرف ما إذا كان تعنت بولتن مرده الرغبة في رفع سقف حقوق الإنسان وتحسين عمل المجلس المزمع إحداثه، أو أنه يسعى فقط لإبراز عدم مقدرة الأمم المتحدة على إنجاز الإصلاحات الضرورية تمهيدا للتخلي عنها، وتهميشها". ويؤكد فون تيرلينجن ممثل منظمة العفو الدولية لدى الأمم المتحدة هذا الطرح إذ يحذر من أن "إصرار الولايات المتحدة على مراجعتها لنص المقترح من شأنه أن يقود إلى نسف المجلس ويقوض أركانه بدلا من تعزيز فاعليته".
ورغم تعنت الولايات المتحدة إزاء المقترح الجديد، إلا أن الأمل مازال يحدو الدول في أن يحصل اختراق ما في الموقف الأميركي يعيد الأمور إلى نصابها. وفي هذا الإطار صرح السويدي يان إليانسون الذي يرأس الجمعية العامة للأمم المتحدة والمسؤول عن الصياغة النهائية لنص المقترح: "إني لا أريد أن تُعزل الولايات المتحدة، فمهما يكن تعتبر أميركا بلد إليانور روزفلت، وموطن ميثاق الحقوق الشهير. لذا فإن المكان الطبيعي للولايات المتحدة هو داخل المجلس وليس خارجه". وترجع رغبة المنتظم الدولي في إقامة مجلس لحقوق الإنسان إلى الأخطاء التي نسبت إلى المفوضية الحالية من غياب للفاعلية، وسماحها بانضمام دول اشتهرت بانتهاكاتها الخطيرة لحقوق الإنسان. وقد أصبح هدف إحداث المجلس محكا حقيقيا لمدى قدرة الأمم المتحدة على الوفاء بمتطلبات الإصلاح العاجلة. ولتجنب إهدار المزيد من الوقت قرر يان إليانسون، رئيس الجمعية العامة، إعادة فتح الموضوع مجددا أمام الاجتماع السنوي الأول للمفوضية الحالية الذي سيعقد في 13 من شهر مارس الجاري بجنيف.
بيد أن جون بولتن الذي قلل من أهمية الاجتماع المقبل للمفوضية صرح بأنه "ربما تكون لاجتماع مفوضية حقوق الإنسان فائدة تتمثل في الاعتراف بأن الأمور تجري على نحو سيئ، وبأنه حان الوقت لإجراء إصلاحات حقيقية". وعندما طلب من بنجامين شانج، المتحدث باسم بولتن التعليق حول ما آلت إليه المفاوضات من طريق مسدود، رد بأنه ليس لديه ما يضيفه أكثر مما قاله جون بولتن. ويشار إلى أن رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية يان إليانسون اقترح إحداث مجلس جديد لحقوق الإنسان أول مرة في 23 من شهر فبراير الماضي بعد أشهر مديدة من المفاوضات الشاقة. وقد أبدى بولتن حينها تحفظه إزاء المقترح مشيرا إلى وجود العديد من "الاختلالات" التي قال إنها تحتاج إلى إعادة التفاوض حولها، معلنا أنه في حال طرح المقترح للتصويت فإن الولايات المتحدة ستصوت ضده. وبالرغم من أن واشنطن لا تملك حق النقض في الجمعية العامة ذات 191 عضوا، إلا أن أي تصويت سلبي سيساهم في إضعاف المجلس.
وفي هذا السياق يرى إمير جونز باري السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة أن "مجلسا لحقوق الإنسان لا يضم أميركا سوف يعاني من نقص حاد في المصداقية"، مضيفا أنه لم يبق غيرها بعد موافقة الاتحاد الأوروبي على المقترح، وهو ما يحتم حسب قوله "السعي إلى معرفة ماذا يدور في رأس واشنطن". ويجادل مؤيدو المجلس الجديد بأن مقتضيات القانون الأساسي التي تنص على الانتخاب المباشر للأعضاء ومراقبة مدى احترامهم لحقوق الإنسان تجعل من الصعب على منتهكي تلك الحقوق الانضمام إلى المجلس. كما تشكل المادة التي تنص على عدم انضمام عضو جديد إلى المجلس إلا بعد موافقة الأغلبية سدا منيعا يحول