عندما تقدم "إبراهيم صرصور" المختار السابق لمدينة كفر قاسم العربية القريبة من تل أبيب إلى منصة الخطابة الخشبية بعد أذان العشاء كان يمتد خلف ظهره علم أخضر مكتوب عليه (التصويت للأحزاب اليهودية معناه مناصرة هؤلاء الذين سفكوا دماءنا وسرقوا أرضنا وانتهكوا مقدساتنا).
وخاطب "صرصور" المئات من الرجال الذين جلسوا في صفوف على مقاعد بلاستيكية في أحد المراكز الاجتماعية قائلا: "إذا ما أعطيتم أصواتكم ليهودي، فإن معنى ذلك أن هناك يهودياً سيدخل إلى البرلمان وأن عربياً سيخرج".
نظراً لاقتراب موعد الانتخابات العامة في إسرائيل –ستجرى خلال أقل من شهر من الآن- فإن الأحزاب التي تمثل السكان العرب في إسرائيل تكافح للحفاظ على موطئ القدم الذي حصلت عليه في "الكنيست" الإسرائيلي. وفي الوقت الذي تتصارع فيه تلك الأحزاب مع الحواجز القانونية، والمنافسين الأقوياء، والناخبين المحبطين، فإن هناك ائتلافا واحداً على الأقل يقوم الآن بمحاولة الاستفادة من الدرس الذي أفرزه فوز "حماس" في المناطق الفلسطينية، وهو أن "الإسلام هو الحل".
وقد تبنت "القائمة العربية الموحدة" في الداخل الفلسطيني أجندة سياسية صريحة على أمل إلهام آلاف الناخبين العرب الذين قاطعوا الانتخابات الماضية، من خلال استخدام الآيات القرآنية وترشيح شخصيات دينية، كما يسعى حزب صرصور المسمى "الحركة الإسلامية" وشريكه العلماني- الوطني إلى توحيد الأحزاب الإسلامية الموجودة في إسرائيل، والتي كانت-مثلها في ذلك مثل "حماس"- لا تقيم كبير اعتبار للمشاركة في الانتخابات، لأن مجرد المشاركة في رأيها كان يعني اعترافاً بشرعية الدولة اليهودية.
ولكن فوز "حماس" بالأغلبية البرلمانية في أول انتخابات تشريعية تشارك فيها، أثبت للعديد من أعضاء الأحزاب الدينية الإسلامية في إسرائيل، المزايا التي يمكن الحصول عليها من خلال المشاركة في السياسات العامة.
وفي مقابلة أجريت معه مؤخراً في منزله الذي كان مزينا بالشرائط الملونة احتفالاً بعودته من الحج، قال "صرصور" إن نجاح قائمة مرشحيه يعتمد على قدرة حركته على إقناع الناخبين الإسلاميين بالتوجه لصناديق الانتخابات وإنهم يقومون من أجل تحقيق هذا الغرض بالتركيز على العناصر الدينية كما يستخدمون خطاباً إسلاميا، يمكن من خلاله كسب قلوب هؤلاء الذين كانوا يقومون من قبل بمقاطعة الانتخابات السابقة، مع إقناع كافة الإسلاميين بأن تواجدهم في "الكنيست" له قيمة تفوق قيمة أية مقاطعة.
ويذكر في هذا السياق أن نسبة العرب الذين بقوا في قراهم عقب حرب 1948، تصل إلى 20 في المئة من تعداد الدولة اليهودية الذي يصل الآن إلى 6 ملايين نسمة. وعلى الرغم من أنهم حاصلون على الجنسية الإسرائيلية، إلا أنهم يعانون من التمييز في سياسة الهجرة، وملكية الأراضي، والتعليم، والوظائف العامة، كما ينظر إليهم بريبة من قبل قوات الأمن الإسرائيلية التي تخشى من قيامهم بتشكيل طابور فلسطيني خامس في شريط البلدات التي تمتد شمالاً من كفر قاسم على امتداد خط الهدنة لعام 1949 إلى منطقة الجليل. وعندما ثار العرب في تلك البلدات احتجاجاً على الممارسات الإسرائيلية في بداية الانتفاضة الأخيرة في خريف 2000، فإن 13 شخصاً منهم لقوا مصرعهم على أيدي القوات الإسرائيلية التي تدخلت لقمع احتجاجاتهم.
أما الآن، فإن فوز "حماس"، وهي منظمة تصفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأنها منظمة إرهابية، أحيا مجددا مخاوف قوات الأمن الإسرائيلية بشأن نوايا العرب المقيمين في إسرائيل. ففي الشهر الماضي على سبيل المثال حذر "يوفال ديسكين" رئيس الشين بيت (جهاز الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية) من أن "وجود حكومة لحماس على امتداد حدود إسرائيل، ربما يكون له تأثير على عرب إسرائيل والحركات الإسلامية فيها، وأن ذلك لو حدث سيشكل مشكلة".
ويذكر في هذا الصدد أن الأحزاب العربية تتشكل من مجموعة من الأحزاب الإسلامية والحركات الشيوعية والعلمانية، وهي أحزاب تحوز في مجموعها على 8 مقاعد من إجمالي مقاعد الكنيست الإسرائيلي التي تصل إلى 120 مقعداً. وهذه الأحزاب تمارس نفوذاً على الهوامش، ولكن هذا التأثير يتم بطرق مهمة في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال أدى تأييد الأحزاب العربية لخطة انسحاب إسرائيل من غزة العام الماضي إلى تأمين تمرير تلك الخطة في الكنيست.
بيد أن الذي حدث منذ انتخابات 2003 أن النسبة المطلوبة للتأهل لمقعد من مقاعد "الكنيست" ارتفعت من 1.5 إلى 2 في المئة من إجمالي الأصوات، وهو الأمر الذي أدى إلى تزايد الشكوك في قدرة المجموعات العربية الثلاث على المحافظة على مواقعها في "الكنيست". ويقول الزعماء العرب هنا إن الأمر المرجح، هو أن يتمكن حزب "كاديما" وهو حزب "وسطي" أسسه رئيس الوزراء آرييل شارون العام الماضي من اجتذاب بعض الأصوات العربية، خصوصا بعد إصابة رئيسه شارون بنزيف في المخ أدى إلى إعاقته. كما يقول هؤلاء الزعماء أيضا إن دخول حزب "العمل" تلك الانتخابات تحت قيادة "عمير بيريتس" الذي أمضى مدة طويلة ف