قضايا حقوق الإنسان تشكل العمود الفقري لعملية الإصلاح في البلاد العربية. وبالرغم من تزايد مؤسسات حقوق الإنسان العربية في السنين الأخيرة إلا أن معظمها يفتقر إلى ثقافة حقوق الإنسان التي نعتبرها ركيزة أساسية لانطلاق هذه المؤسسات. ربما أحد الإخفاقات التي نواجهها في هذا المجال هو تعلقنا بالشعارات أكثر من أن نتوجه لوضع استراتيجية وبرامج تزيد من وعي الناس في قضايا حقوق الإنسان. أعتقد أن من القضايا المهمة أن نوفر حداً أدنى من النضج السياسي حتى نضمن ألا يكون هناك خلط بين البعد السياسي لطبيعة عملها كمؤسسات وبين المواقف السياسية للأشخاص المسؤولين عنها، بمعنى آخر أن نكون قادرين على أن نميز الحقوق المدنية للفرد بصرف النظر عن الانتماء السياسي.
أظن أن الكثيرين يدركون أن الأوضاع العربية والدولية الراهنة لا تساعد كثيراً حركة حقوق الإنسان وذلك لأننا نعيش انتكاسة كبيرة لبعض الحقوق إضافة إلى عدم بلورة قيم محددة علينا تبني الدفاع عنها باعتبارها السياج لحقوق الإنسان. ربما ما يعيشه العراق في الوقت الراهن هو تأكيد لتردي أوضاع حقوق الإنسان في البلاد العربية.
قد تكون المطالبات الدولية بتحسين أوضاع منطقة الشرق الأوسط دافع للاهتمام بقضايا حقوق الإنسان ليس لأن الولايات المتحدة أو أوروبا وراء ذلك بل يجب أن تبدأ المبادرات المجتمعية الخاصة بنا. وربما علينا البدء في التفكير في تغيير مناهج التعليم بحيث تصبح قضايا حقوق الإنسان أحد المحاور الأساسية التي علينا أن نعلمها لأبنائنا في المدارس.
ليس بالضرورة أن تكون قضايا حقوق الإنسان ذات جانب سياسي كالدفاع عن المعتقلين السياسيين وإنما كذلك علينا أن ندرك أن هناك كثيراً من التشريعات والقوانين الخاصة بالعمالة الأجنبية في بلادنا التي لا تنسجم مع المواثيق الدولية حيث تعيش هذه الفئة أوضاعاً غير طبيعية في بعض الأحيان. فعلينا التفكير جديا في نشر ثقافة حقوق الإنسان في محيط الأسرة والمدرسة والمجتمع لكي نضمن الحماية المدنية لهذا القطاع الكبير الذي يعيش بيننا.
لو أخذنا على سبيل المثال تزايد أعداد جرائم خدم المنازل في الكويت أو غيرها من الدول الخليجية أو العربية، فإنه من المؤكد أننا سنجد أن هناك الكثير من الدوافع التي تدفع هؤلاء لارتكاب مثل هذه الجرائم ومن ثم علينا تحسين أوضاعهم المعيشية لكي نضمن توفر بيئة جاذبة وليست طاردة.
هيئات حقوق الإنسان العربية لم تولِ هذه الموضوعات أهمية وركزت جهودها على الجوانب السياسية وأغفلت أهمية نشر ثقافة حقوق الإنسان باعتبارها ميزة حضارية نحن بحاجة إليها في بناء مجتمع تسوده علاقات صحية.
لا نريد أن نضيع الوقت في الاتفاق أو الاختلاف حول المفاهيم العامة، فهناك ميثاق دولي وقعت عليه معظم دول العالم وبالتالي علينا التوجه في تأكيد ما هو مشترك وأن نبتعد عن الجدل حول حقوق الإنسان باعتبارها وليدة للثقافة الغربية.
الثقافة الإسلامية أكدت كثيراً من المفاهيم والقيم التي نعتبرها ركيزة لميثاق حقوق الإنسان ومن هذا المنطلق علينا إبراز هذه المفاهيم بإطار حضاري أفضل قادر على التفاعل مع قضايا حقوق الإنسان على المستوى العالمي.
من المؤكد أن علينا أن ندرك الخصوصية الثقافية لبعض المجتمعات، وعلى العالم الغربي أن يدرك هذه الخصوصية الثقافية وأن يتم احترامها. أما منظمات المجتمع المدني في بلادنا العربية فعليها مسؤولية كبيرة في إبراز الجانب الثقافي لحقوق الإنسان وأنه لا يمكننا أن نخلق وعيا اجتماعيا في المجتمع دون الاهتمام بالجوانب الثقافية لحقوق الإنسان.