عندما تتبنّى وزارة ما سياسة معيّنة في تسيير شؤون عملها، ثم تتراجع عن هذه السياسة بعد فترة وجيزة بطريقة مفاجئة، وعندما يتكرر هذا الأمر غير مرة، فإن جمهور المتعاملين مع هذه الوزارة يتلقون رسالة سلبية بشأن آليات العمل في هذه الوزارة، ويصبح الارتباك والغموض سيد الموقف. وهذا ما يحدث مع وزارة العمل، فالوزارة اتخذت في الآونة الأخيرة قرارات عديدة وتراجعت عنها أو في بعض الحالات تهاونت في تنفيذها لسبب أو لآخر، ولعل أحدث هذه القرارات والسياسات، التوقف المفاجئ عن تطبيق نظام الرسوم والضمان المصرفي على منشآت القطاع الخاص، بعد يومين فقط من تطبيقه، عقب التعديلات الجديدة التي قيل إنها أدخلت على النظام خلال الفترة الماضية.
لا يمكن التشكيك بالطبع في أن "العودة إلى الحقّ فضيلة"، وأن الاستمرار في نظام أو سياسة ما ثبت فشلها خطأ فادح، ولا يمكن كذلك الانتقاص من أهمية تصحيح الأوضاع وتعديلها في وقت قياسي بعيدا عن البيروقراطية واستنزاف الوقت أو الإصرار على الخطأ والمضيّ فيه بدافع العناد والمكابرة، ولكن من الصعب بالمقابل فهم أي تضارب في السياسات والقرارات في وقت قياسي، إذ يجد المراقب نفسه حائراً أمام فهم أسباب تنفيذ قرار ما والتراجع عنه بعد أيام، فهذا التراجع لا يمكن فهمه سوى في ضوء احتمال حصري، هو عدم إتاحة الفرصة الزمنية المناسبة للدراسة والنقاش وبحث موضوع القرار من جوانبه كافة لضمان عنصر الرشاد والإيجابية وأهلية تنفيذ القرار، وربما يعني أيضاً -من وجهة نظر الكثيرين- أن التجريب هو منهج العمل المعتمد في بعض القطاعات داخل الوزارة، وهذه فرضية -لو صحّت- فإنها تعني أن أداء هذه القطاعات بات في وضع لا تُحسد عليه، ليس فقط لأهمية وحيوية الدور الاقتصادي الذي تضطلع به الوزارة، بل أيضا لأن المفترض أن قيادات وزارة العمل وكوادرها البشرية تمتلك من تراكم الخبرات ما يؤهلها للتصدي لإشكاليات سوق العمل بجدارة واحترافية، خصوصا بعد فك الاشتباك عن الوزارة بفصل قطاع الشؤون الاجتماعية عنها، وتفرغها لإدارة ملف العمل والعمال بكل ما يمتلكه من ثغرات وعقبات وهموم ومشكلات.
ومن خلال استقراء وجهات نظر بعض رجال الأعمال التي طرحتها صحيفة "الاتحاد" أمس الأول، يمكن أن يكتشف المراقب أن هناك "حوار طرشان" بين الوزارة وجمهور المتعاملين من رجال الأعمال، وأن "فن الحوار" غائب أو مغيّب على الأقل من الناحية الفعلية، لأن جلسات الحوار بين الطرفين يمكن أن تنعقد -وهي كذلك بالفعل- من دون مردود يذكر، ربما لتعمق أزمة الثقة بين الطرفين لأسباب واعتبارات متراكمة على مدار السنوات الماضية، أو لعدم توصل الطرفين إلى أجندة عمل مشتركة. ومع ذلك يبقى الأمل في دينامكية الوزير د. علي الكعبي، واستعداده للتطوير وتعزيز دور الوزارة وقبضتها على سوق العمل وإدارة الإشكاليات والملفات الخلافية، بما يضمن التوصل إلى حلول واقعية قابلة للتنفيذ في مختلف الإشكاليات التي أثيرت مؤخراً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية