في معرض انتقادهم لـ"القاعدة" بعد المحاولة الانتحارية الفاشلة لتفجير منشآت نفطية في ابقيق، قال كثيرون إن "القاعدة" بفعلها "العبثي والمتهور وغير المحسوب" هذا، تخلق أجواء مناسبة للتدخل الأجنبي في بلادنا بزعم أن منابع النفط لم تعد آمنة، وإن هناك حاجة لحمايتها دوليا! وما أدراكم أن هذا عين ما تريده "القاعدة"؟
يجب ألا نقلل من شأن تنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب، وطريقة تفكيرهم، لمجرد أنهم أحداث أو أنصاف متعلمين، الحقيقة أن لدى القوم "مراكز للبحث والتحليل" ويفخرون بـ"خبرائهم الاستراتيجيين" في المملكة وخارجها، ولديهم أنصار يتوافقون معهم في الاستراتيجيات والأهداف النهائية، ويختلفون معهم في التكتيكات المستخدمة، وهؤلاء الأنصار يعيشون معنا، ويجاملوننا تارة ويقدحون فينا تارة أخري، لا يبخلون على إخوانهم بالنصيحة والمشورة، ويعتقدون أن ما نراه خروجاً وتجاوزاً وتكفيراً واستباحة لدماء حرمها الله، لا يزيد على أن يكون اجتهاداً إذا أصاب صاحبه فله أجران وإنْ أخطأ فله أجر واحد، وما هم إلا صبية آمنوا بربهم، عجلت بغضبتهم غيرتهم المتقدة، وما دفعهم إلى ذلك إلا تطرف العلمانيين والفاسدين والليبراليين والصوفيين والرافضة، إلى آخر السلسلة التي لا تنتهي في تقسيم الأمة.
إن التجربة والخطأ، وتحليل النتائج لفتت انتباه "القاعدة" إلى قوتها الحقيقية، أنها لا تستطيع احتلال بلد، أو قلب نظام الحكم في آخر، ولكنها تستطيع أن تصنع الحدث من أجل الاستفادة من تداعياته. إنها مدركة لقدرتها في خلق الأجواء المناسبة لتحقيق أهدافها، وليس من باب المبالغة وإعطاء "القاعدة" أكبر من حقها القول إن أفعالها باتت تحكم كثيراً مما له علاقة بالمسلمين والغرب، من الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام وتداعياتها، إلى الضجة المصاحبة لتسلم شركة موانئ دبي إدارة 6 موانئ أميركية.
من الواضح أن "المحللين الاستراتيجيين" لتنظيم "القاعدة"، وعلى رأسهم قادتها يقاومون أن يتحول تنظيمهم إلى مجرد حركة "فوضوية" مثلما انتهى بعض الثوار "اليساريين" في الستينيات، الذين طوروا فلسفة للفوضوية التي أرادوا بثها في العالم أو في دولهم لتكون بمثابة "فعل تطهيري" يتبعه انتصار للثورة الماركسية الخالصة. والمتتبع لنشاط "القاعدة" خلال الأعوام الخمسة الماضية، سيلحظ قيام بعض من أنصارها بعمليات تكاد تكون فوضوية عبثية، وبعضها مجرد انتقام غاضب، وتصب الرسائل "التصحيحية" الناصحة لأيمن الظواهري للزرقاوي في العراق في هذا الاتجاه. فهو لم ينكر فداحة أعمال الأخير، وإنما نصحه بترشيدها كي يمكن أن تخدم الهدف الكبير، وهو إقامة دولة الإسلام الخالصة التي تسعى إليها "القاعدة".
تحليل كتابات "القاعديين" وخطابهم، يشير إلى قبولهم بأعمال تبدو
لـ"العامة" وحتى لأنصارهم متطرفة، وغير محسوبة، ولكنها مقبولة، طالما أنها تخدم هدفاً أكبر، مثل تفجير أضرحة في العراق، أو قتل الشيعة على الهوية بالأعمال الانتحارية أو السيارات المفخخة، والهدف هنا في حقيقته ليس انتقاماً ورد فعل على تجاوزات المليشيات الشيعية في حق بعض السُنة، وهي تجاوزات باتت موثقة وتدين أصحابها، وإنْ لم يفخروا جهاراً بفعلها مثلما يفعل الزرقاوي، والهدف منها هو خلق أجواء مناسبة لإطلاق سعير حرب أهلية تحول العراق إلى أتون يحترق، وفي مثل هذه الأجواء تستطيع "القاعدة" أن تسرح وتمرح وتجند المزيد من الأنصار.
هذا في العراق، أما في السعودية، فهي أعلنت عن أهدافها في رسالة قديمة أعادت "القاعدة" نشرها من جديد على الإنترنت"أفتى" فيها أحد منظريها بجواز "استهداف المصالح النفطية" في المملكة بغرض الإضرار بالاقتصاد الأميركي وزعزعة استقرار الحكومة السعودية. ولكن لتنظيم "القاعدة" نظريات أخطر من ذلك، لا ترى بأساً أن يؤدي استهدافها للمصالح النفطية في المملكة إلى احتلال منابع النفط، بل إنها تتمنى ذلك كما جاء في فتوى نشرت في عدد جمادى الأولى من العام الماضي لمجلتها "صوت الجهاد" التي انتظم صدورها في زمن نشاط حملة الإرهاب قصير العمر التي أطلقتها في البلاد قبل أن تتمكن سلطات الأمن من تفكيك بنيتها التحتية، بما في ذلك جهازها الإعلامي، وخرجت بتلك الفتوى الغريبة العجيبة على لسان فقيهها "عبد الله الرشيد" والغالب أنه عبد الله الرشود الأستاذ السابق في المعهد العلمي بالنماص بجنوب المملكة، الذي كان ضمن أول مجموعة من المطلوبين الذين أعلنت عنهم وزارة الداخلية، ولا يزال الغموض يكتنف مصيره بعدما أعلن الزرقاوي في صيف العام الماضي عن مقتله في العراق.
من بين أسباب عدة أباح بها الرشيد (أو الرشود) العمليات ضد المصالح النفطية رغم أنها قد تؤدي إلى "التدخل السريع لاحتلال منابع النفط" من قبل أميركا بعد أن وصف الأوضاع السائدة في البلاد بأنها احتلال بالوكالة، قال إن "الاحتلال العلني لا يزيد إلا فائدة انكشاف العدو وظهوره وبروزه للمسلمين". وقال إن هناك من "يرى أن دخول القوات الصليبية علنا لحماية منابع النفط من مصلحة المسلمين"،