في نوفمبر 2003، أطلق الرئيس بوش وقادة الدول الصناعية الثماني الكبرى، ما يعرف بمبادرة الشرق الأوسط الكبير. كانت المبادرة منذ بدايتها مثيرة للجدل، وبدت في أشد نسخها طموحاً وكأنها محكوم عليها بالفشل. وكان الكثيرون في الشرق الأوسط متشككين في أهدافها المعلنة، في وقت كانت فيه أبرز علامات السياسة الأميركية وضوحاً في المنطقة هي احتلال العراق والدعم الأميركي السخي لرئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون. وفي ذلك الوقت أيضاً، أوضح قادة دول مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى الباقون أنهم ليسوا في قارب واحد مع الولايات المتحدة، ما جعل المبادرة تبدو وكأنها مبادرة أميركية من جانب واحد، في وقت وصل رصيد واشنطن في المنطقة إلى أدنى درجاته.
لا يمكن استبعاد دعم الديمقراطية كفكرة جوهرية في مبادرة الشرق الأوسط الكبير، فعلى الرغم من كل شيء، لا يمكن إنكار المناقشات المحتدمة داخل منطقة الشرق الأوسط وفيما وراءها، عن الحالة الفظيعة التي وصلت إليها أنظمة الحكم في المنطقة، مما دعا الأكاديميين الجادين إلى الانشغال بالأسباب التي جعلت الشرق الأوسط يبدو وكأنه استثناء من "الموجة الثالثة من موجات التحول الديمقراطي". واتفقت مجموعة من المفكرين مثل "برنارد لويس" و"إيلي قدوري" و"فؤاد عجمي" على أن الثقافة -وبشكل أخص الإسلام- حاجز رئيسي في وجه هذا التحول. لكن محور الاهتمام اتجه نحو التأثير الخطير للاعتماد على نفط الشرق الأوسط في دعم الأنظمة السلطوية، ودعم عسكرة المنطقة جراء الصراعات المتواصلة.
وقبل أن يكتشف بوش بوقت طويل أن الديمقراطية علاج لجميع علل الشرق الأوسط، كانت هناك تجارب لافتة للنظر في الانفتاح السياسي والليبرالية، قد بدأت بالفعل داخل المنطقة. فلفترة قصيرة، بدت الجزائر خلال الأعوام 89- 1991، وكأنها ستصبح أول دولة عربية تشهد انتقالاً للسلطة من العناصر المؤسسة للدولة المنتمية للتيار القومي، إلى المعارضة الإسلامية من خلال انتخابات حرة. ولكن التجربة الأكثر إثارة للإعجاب، كانت هي نجاح تركيا في اجتياز حقبة التسعينيات دون أن يحدث فيها انقلاب من انقلاباتها العسكرية المعتادة، ونجاح حزبها الإسلامي في تحويل نفسه إلى مجموعة من المصلحين المعتدلين الذين لم يثرْ نجاحهم في صناديق الاقتراع منذ عدة سنوات الدهشة لدى أحد لأنه كان نتيجة منطقية أو طبيعية.
وفي أماكن أخرى، وخصوصاً في بعض الأنظمة الملكية في المنطقة، كان هناك قدر ملحوظ من الانفتاح والليبرالية وذلك عندما انتقلت السلطة إلى الجيل الأصغر سناً من الحكام. فدول مثل المغرب والأردن والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان يمكن كلها أن تؤشر على حدوث تقدم حقيقي في هذا المجال. وعندما قام بوش بإطلاق مبادرته؛ لم تكن المنطقة خالية من الإمكانات الديمقراطية؛ ففي عام 1997 نجد أن دولة مثل إيران نجحت في انتخاب رئيس "إصلاحي" مقنع، وذلك عندما خرج الإيرانيون من الشبان والشابات بأعداد كبيرة للتصويت ضد المرشح "المحافظ" المفضل من قبل نظام الملالي.
لكن ما هي الأسباب التي أثارت شكوكاً حول مبادرة بوش؟ السبب الأول هو أن بوش نفسه وافد حديث على موضوع الديمقراطية، فعندما كان مرشحاً للرئاسة في انتخابات 2000، قال إن الولايات المتحدة يجب ألا تنخرط في مهام "بناء الأمم" وتحدث أيضاً عن سياسة خارجية "متواضعة". وأثناء التحضير لحرب العراق في ربيع 2003، لم يشر بوش كثيراً إلى الديمقراطية كهدف من أهداف الحرب، بل ركز على أسلحة الدمار الشامل ومحاربة الإرهاب.
من أين جاء موضوع الديمقراطية إذن؟ وما هي التوقعات الحالية للتحول الديمقراطي في الشرق الأوسط؟ في بدايات 2001 تماهى بوش ودائرته الداخلية تقريباً مع النمط "المحافظ الواقعي". فديك تشيني، ورايس، وباول، ومهما كانت الخلافات بينهم كانوا بدرجة أو بأخرى ينتمون إلى المعسكر الواقعي. ويذكر في هذا السياق أن رايس قد كتبت مؤخراً عن فعالية أسلوب الاحتواء والردع في التعامل مع صدام حسين. وكان الصف الثاني في الإدارة في ذلك الوقت هو الصف الذي يمكن العثور فيه على أصحاب الآراء "ضد الواقعية" من بين الأشخاص المنتمين إلى الجيل الثاني من "المحافظين الجدد"، مثل "دوجلاس فيث"، و"بول وولفوفيتز"، و"لويس ليبي"، و"ديفيد وميراف وارمسر". فبالنسبة للبعض من هؤلاء، كانت الديمقراطية تبدو كالتزام حقيقي. فوولفوفيتز على سبيل المثال، أيد تغيير النظام في كل من إندونيسيا والفلبين عندما كان مسؤولاً عن السياسة الأميركية في آسيا. ولكن بعض "المحافظين الجدد" خارج الإدارة، مثل "بيرل"، و"ليدين" اعتبروا مشروع الديمقراطية- جزئياً أو كلياً- وسيلة من وسائل خلخلة استقرار الشرق الأوسط لتحقيق مصلحة إسرائيل.
وعقب هجمات سبتمبر 2001، تم تقديم موضوع تغيير النظام في العراق باعتباره حلاً لجميع مشكلات المنطقة. واعتقد البعض في ذلك الوقت –خطأً– أن صدام حسين كان وراء هذه الهجمات، ووجد آخرون في هذه الهجمات فرصة للتخلص من صدام. ونجحت إدارة بوش ف