شريط جديد، خطاب جديد، "فتاوى" جديدة... يبدو أن أيمن الظواهري متأكد بأن الجماهير تترقب إطلالته لتتمكن من التمييز بين الأبيض والأسود، وبين ما يصحّ "إسلامياً" وما لا يصحّ. المؤسف أن رسائل "القاعدة" تستمد مضمونها، بين إسفافات أخرى، من أخطاء السياسات التي تدعي تحديداً أنها ترمي إلى مكافحة الإرهاب والعنف والتطرف. ولاشك أن المعنيين بالشأن "الإرهابي"، من أميركيين وإسرائيليين وأوروبيين، ينشغلون بالظواهري وأمثاله ويأخذونهم على محمل الجد باعتبارهم لا يزالون قادرين على الأذى والتخريب، أما دعاة المسالمة والسلوك السويّ فلا يلقوْن سوى اهتمام محدود حتى لو كانوا مسموعين ومؤثرين. أما القوى التي تسعى إلى تغيير مسارها وسلوكها فتُعامل بسلبية حتى لو جاءت بانتخابات حرة ونظيفة.
كيف لا يستغل الظواهري الفرصة السانحة لإطلاق "توجيهاته" لحركة "حماس" كي تواصل الكفاح المسلح فلا تحترم "اتفاقات الاستسلام" ولا تجلس في المجلس التشريعي مع "علمانيين باعوا فلسطين"؟ كيف لا يفعل ذلك وهو يشاهد كيف تعامل العالم الغربي مع واقعة فوز "حماس" في الانتخابات؟ فما حصل لابد أن يشجع "القاعديين" على الشماتة بمن يصدق "أكاذيب الغرب" ويرتكب خطيئة المشاركة في الانتخابات. ومن الواضح أن هذه من المرات النادرة التي يعتبر فيها الظواهري أن واجبه يقتضي التنبيه إلى ما يراه "مخالفاً للإسلام"، غير عابئ بأن الذين صنعوا الحدث الانتخابي من مصر إلى العراق إلى فلسطين هم مسلمون مقتنعون بما يفعلون ولا يبالون بما تقول "القاعدة" أو لا تقول. والأكيد أنهم لم يكونوا يوماً من جماهير "القاعدة" ومؤيديها.
سيقول بعض المحللين الأميركيين إنهم بصدد اكتشاف، بوادر طلاق بين "القاعدة" و"حماس"، مستندين إلى دراسات وأبحاث قاموا بها خلال الأعوام الخمسة الأخيرة وخرجوا منها باستنتاجات واقتناعات شتى مفادها أن لـ"القاعدة" تياراً شعبياً واسعاً. لم ينتبهوا إلى أنهم يتعاملون مع مجتمعات عربية وإسلامية، وليس مع صخور جامدة أو آلات مسيّرة. ولم تميز السلطات التي تلقفت تلك الأبحاث بين ما يسمى "فصائل" و"حركات" أو "تنظيمات"، بين من مارس الإرهاب فعلاً ومن لم يقدم عليه، بين من ذهب بتطرفه إلى ارتكاب تفجيرات 11 سبتمبر ومن يقصر عمله على مقاومة الاحتلال. غدا الجميع إرهابيون، وارتسمت اللوائح السوداء الدولية تشهيراً وإقصاءً. والواقع أنه باستثناء عدد محدود جداً من هذه الفئات استحق أن يستهدف ويطارد لأنه أضرّ بأهله قبل أن يضرّ بالآخرين، فإن الاستهدافات الأخرى ركزت على تلبية رغبات إسرائيل أكثر مما سعت فعلاً إلى مكافحة الإرهاب.
في العالم العربي لا أحد يعيب على "حماس" كفاحها المسلح ضد الاحتلال، أما الذين انتخبوا مرشحيها فقد وجهوا إليها دعوة خاصة إلى دخول السلطة واتباع العمل السياسي. الجديد في هذا الشأن أن شروط إسرائيل والولايات المتحدة تريد أن تعاقب "حماس" وناخبيها، وفي المقابل هناك تكفير من "القاعدة" لـ"حماس" بسبب جنوحها نحو خط واقعي. اللافت أن التطرف الإسرائيلي- الأميركي يبدو هنا كأنه يعطي "مشروعية" لتطرف "القاعدة". وبالتالي فإن هذين التطرفين هما اللذان يحددان الموقع الذي تريده "حماس" لنفسها عبر التزام حقوق الفلسطينيين ووقف سياسة العدوان والإذلال والاغتيالات التي تتبعها إسرائيل أياً يكن الفصيل السياسي في السلطة الفلسطينية.
بعدما انتقد الظواهري مشاركة "الإخوان المسلمين" في الانتخابات المصرية، ها هو يكفّر "حماس" لارتكابها "مخالفات" للإسلام، وطبعاً لم تكن "القاعدة" مرتاحة للانتخابات العراقية ربما لأنها تستشعرها أكثر من سواها مسيئة لشعبية التنظيم الإرهابي الذي بات معروفاً أنه لا يعتنق سوى الفوضى. هذا يقود إلى استنتاج يؤمل بأن يتنبه إليه أصحاب الدراسات والأبحاث؛ إذا لم تكن إسرائيل قد قبلت بـ"فتح" في عهد ياسر عرفات ثم في عهد محمود عباس، وإذا كانت تسعى لإسقاط "حماس" بأي شكل وبأي ثمن، فلابد أنها ترغب في إحلال "القاعدة" محل السلطة الفلسطينية... هذا ولا يستبعد أن تقنع الأميركيين بمثل هذا الخيار.