ضمن كلمة وجهتها سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام، إلى مؤتمر "الأسرة الإماراتية والفضائيات في عصر العولمة" الذي نظمه مجلس الأمهات في أبوظبي، أكدت سموها أن مسؤولية الفضائيات والقائمين عليها كبيرة تجاه الوطن والمواطنين وأهابت سموها بالجميع التزام المسؤولية فيما يقدمونه من أعمال فنية ودرامية بما يسهم في تعزيز انتماء الجيل الصاعد.
"المسؤولية" هي كلمة السر في هذه الدعوة الكريمة التي وردت ضمن كلمة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، فالمسؤولية هي جوهر الدور التنموي للإعلام، وهي البوصلة التي تنير للقائمين على وسائل الإعلام طريقهم نحو أداء دورهم المجتمعي المفترض، لاسيما في ظل تعاظم دور وسائل الإعلام، والقنوات الفضائية على وجه التحديد، في التنشئة الاجتماعية، بل إن هذا الدور المتنامي بات يتقدم في أحيان كثيرة على دور المؤسسات التقليدية المنوط بها التنشئة الاجتماعية مثل الأسرة والمدرسة وغير ذلك من قنوات وروافد، والأمر اللافت أن هذا الدور المتقدم يأتي في بعض الأحيان خصما من رصيد بقية الأدوار.
الكثيرون يتهمون الفضائيات العربية بنشر الثقافة السطحية والزج بأجيالنا الجديدة إلى منزلق التهميش الحضاري والثقافي، وتحويل الإعلام من أداة بناء إلى معول هدم لا يكتفي بتسطيح المعرفة بل ينال أيضا من أدوار الآخرين في غرس القيم المعرفية بحكم تعاظم تأثير الإعلام وسطوته، فضلا عن أن التكاثر الفطري للفضائيات والتنافس الشرس بينها على الربح قد أسهم في وقوع الكثير منها في فخ إشاعة نوع من الفوضى الأخلاقية بين أفراد المجتمع عبر التهافت وبشتى الطرق على استغلال المراهقين والشباب من خلال الرسائل النصية "المسجات" التي تحولت إلى عادة ذميمة في معظم الفضائيات العربية بما تحتوي عليه من عبارات خادشة للحياء وتجاوز للقيم والأعراف الأخلاقية السائدة في مجتمعنا، وفي ظل حالة غريبة من إصرار المسؤولين عنها على التمسك بالتربح على حساب المجتمع.
السؤال الآن: إلى أين تقودنا هذه "الدكاكين" المتلفزة التي تبث سمومها على الهواء؟ إن خطر هذا الاتجاه لا يقل تأثيرا وفداحة عن تأثير تجارة المخدرات ونشر الأفكار المتطرفة. ومن الواضح أن التعاطي قانونيا مع هذه الممارسات بات غير ذي جدوى، فالتشريعات فتحت الباب أمام وجود هذه القنوات ولكنها لم ترسم لها حدودا واضحة تلزمها بالتفرقة بين الحرية والمسؤولية. ومن الواضح كذلك أن فتح هذا الملف يثير الجدل بين مؤيد ومعارض لمسؤولية هذه النوعية من الفضائيات في تدهور القيم الأخلاقية، ولا داعي كذلك لاتهام هذا الجيل بالاضمحلال الخلقي والفكري والثقافي، فأبناؤنا من صنع أيدينا وأفكارنا وهم أيضا صنيعة إعلامنا وأنظمتنا التعليمية. ولذا ربما يكون الحل في التزام القائمين على الفضائيات بمسؤوليتهم الأخلاقية أو إلزامهم بها بشكل ما، وفتح منافذ مجتمعية تستوعب طاقات الشباب وتصوغ لهم مشروعات وأنشطة تستوعب قدراتهم اللامحدودة، وأن نستحضر فن الاستماع الغائب عن حياتنا، ولنفتح للأبناء أبواب الأمل ولنشركهم في التنمية بدلا من تركهم فريسة لـ"المسجات" المدمرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية