انتهت الأسبوع الماضي فعاليات مؤتمر علمي، عقد في إحدى مدن بريطانيا، وحضرته كوكبه من العلماء، والفلاسفة، والقانونيين، والأطباء، من أكثر من أربع عشرة دولة، بالإضافة إلى طائفة من الممثلين الحكوميين، ومن مديري تحرير الصحف والدوريات العلمية. أما موضوع المؤتمر، فكان مناقشة التضارب والتعارض في السياسات الوطنية والقوانين المحلية، المتعلقة بالأبحاث العلمية في مجال الخلايا الجذعية المأخوذة من الأجنة.
هذا التضارب والتعارض في القوانين، يرى المختصون أنه يعرقل التعاون الدولي بين علماء الدول المختلفة، مما يعيق التقدم العلمي المرجو في هذا المجال بالغ الأهمية.
وخلص القائمون على المؤتمر والمشاركون فيه، إلى ضرورة تكوين وتحديد معايير دولية أخلاقية، يلتزم بها جميع العاملين في مجال أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية، بغض النظر عن جنسياتهم أو بلدانهم. وكخطوة أولى على هذا الطريق، أطلق المشاركون في المؤتمر اتحادا دوليا متنوعا التخصصات العلمية، باسم "مجموعة هينكستون" (Hinxton Group)، لبحث ودراسة المعايير الأخلاقية وتوفير العون في وضع القوانين الدولية المتعلقة بأبحاث الخلايا الجذعية.
ولكي نفهم سبب هذا التضارب والاختلاف الدولي في القوانين والتشريعات المتعلقة بأبحاث الخلايا الجذعية، يجب أن نسترجع بعض الأساسيات عن هذه الخلايا. فمنذ أن أدرك الأطباء القدرات الخارقة للخلايا الجذعية على تكوين الأنسجة والأعضاء والخلايا الأخرى، راودتهم الأحلام في استئناس هذه الخلايا وتوجيهها إلى تشكيل نسيج محدد أو عضو معين. وتقسم الخلايا الجذعية بوجه عام حسب مصدرها، إلى خلايا تأخذ من الأشخاص البالغين، أو خلايا تحصد من الأجنة البشرية. هذا النوع الثاني، الذي يطلق عليه الخلايا الجذعية الجنينية، يفرض بطبيعته سؤالاً حتمياً، وهو: من أين سيتم الحصول على كل تلك الأجنة؟ هذا السؤال هو بالتحديد سبب الخلاف الدولي التشريعي سابق الذكر. فبعض الدول مثل بريطانيا، توجد لديها قوانين تحرم الحمل لغرض الإجهاض، وتحرم استخدام الجنين المجهض في الأبحاث أو في علاج شخص آخر، إلا أن الولايات المتحدة لا توجد فيها مثل تلك القوانين. وعلى رغم ذلك، نجد أن الحكومة البريطانية قد قررت مؤخراً، تخصيص قرابة الأربعة ملايين جنيه إسترليني، لغرض تطوير وتحديث مركز متخصص في علاج العقم، وفي أبحاث الخلايا الجذعية. هذا في الوقت الذي يصارع فيه مجلس النواب الأميركي، إدارة الرئيس بوش في هذا المجال. ففي نهاية شهر مايو الماضي، قرر المجلس تمرير مشروع قانون، يزيد من حجم الدعم الحكومي لأبحاث الخلايا الجذعية، على الرغم من تهديد جورج بوش باستخدام "الفيتو" الرئاسي ضد القانون. وكان قد تم تمرير هذا القانون بموافقة 238 عضوا ومعارضة 194. وهو ما يشكل أغلبية أقل من الثلثين، ويجعل القانون عرضة لهذا "الفيتو" الرئاسي، ويؤكد بالفعل وجود نوع من الانفصام الأخلاقي حتى داخل مجلس النواب نفسه. ولا يختلف الوضع كثيراً داخل دول الإتحاد الأوروبي، حيث نجد نفس القدر من التعارض والتناقض. فعلى الرغم من توصية المفوضية الأوروبية بضرورة توفير دعم مالي من خزينة الاتحاد، لأبحاث الخلايا الجذعية المأخوذة من الأجنة البشرية المجمدة. إلا أن التوصية نفسها تمنع مثل هذا الدعم، في الدول التي تمنع مثل هذا الأسلوب. ففي الوقت الذي تسمح فيه دول مثل السويد، وفنلندا، واليونان، وهولندا، وبريطانيا، بحصد الخلايا الجذعية من الأجنة الزائدة من عمليات التخصيب الخارجي (أطفال الأنابيب)، نجد أن هذا الإجراء غير قانوني ومحرم في دول أخرى، مثل ألمانيا، وفرنسا، وأيرلندا وأسبانيا.
وإذا ما أضفنا سياسات دول شرق آسيا والصين، فسنجد بين أيدينا قضية بالغة التعقيد، إلى درجة يصبح معها من العسير تحديد ما هو قانوني وغير قانوني على الصعيد الدولي. فإجراءات وسياسات الدول الآسيوية، وخصوصاً الصين، مبهمة إلى حد كبير. ويكفي أن نسترجع فضيحة العالم الكوري الجنوبي الأخيرة، ليس فقط في تزويره للنتائج، ولكن في الطريقة التي حصل بها على البويضات المستخدمة في أبحاثه. مع العلم بأنه قبل أيام قليلة من انكشاف التصرفات اللاأخلاقية، ومن انفضاح النتائج المزورة، تقدم أكثر من 3500 مريض في يوم واحد بطلبات للمشاركة في الأبحاث والدراسات التي يجريها مركز أبحاث الخلايا الجذعية الكوري. أما الصين فقد أعلنت في شهر ديسمبر الماضي، البدء في إنشاء أول بنك حكومي للخلايا الجذعية، مخطط له أن يعالج سنويا أكثر من 200 مريض، من خلال نقل وزراعة الخلايا الجذعية. دون أن تكون هناك قوانين وتشريعات محددة، تحكم العمل في هذا المجال. هذا الدفق الهائل من التطورات العلمية المتلاحقة في مجال أبحاث الخلايا الجذعية، وفي ظل قوانين دولية متضاربة ودائمة التغير أيضاً، يجعل من الصعب على الباحثين الراغبين في العمل ضمن إطار أخلاقي، الالتزام بما هو قانوني وما هو شرعي. هذه المعضلة القانونية الأخلاقية الدولية، يرجو القائمون على مجموعة "هينكستون" شق الطريق نحو حل نهائي