في تعليقه على الجدل الذي أثارته الرسوم الكاريكاتورية الدانمركية للرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) اعتبر أحد المتخصصين في العلاقات الإسلامية- المسيحية أن حدوث "صراع الحضارات" بين الغرب والعالم الإسلامي ممكن ولكنه ليس حتميا. وحسب "جون إل. إسبوزيتو"، المدير المؤسس لمركز التفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورج تاون في واشنطن، فرغم محاولات بعض الأشخاص في كل من الغرب والعالم الإسلامي تأجيج نار الصراع، إلا أن الأسباب الكامنة وراء الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها البلدان الإسلامية هي أكثر تعقيدا من مجرد إبداء الاحترام لدين على حساب حرية التعبير.
ويرى "إسبوزيتو" أنه ينبغي النظر إلى الجدل القائم في سياق الغضب المحتقن في أوساط المسلمين إزاء ما يعتبرونها أفكارا جاهزة من قبل الغرب عنهم، تصورهم على أنهم إرهابيون بسبب ما تقوم به قلة من المتطرفين. وقال في حوار صحفي أجري معه مؤخرا إنه كثيرا ما ينظر المسلمون إلى الحرب على الإرهاب على أنها حرب تستهدف الإسلام ومحاولة لإعادة رسم الخريطة السياسية للشرق الأوسط. وكان "إسبوزيتو" يتحدث خلال لقاء نظمه نادي خريجي "ألفا سيغما نو" في واشنطن، وهو جمعية شرفية لطلبة كليات وجامعات "جيسوت" في الولايات المتحدة. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن المركز الإسلامي- المسيحي التابع لجامعة جورج تاون تلقى في ديسمبر المنصرم منحة تقدر بـ20 مليون دولار من الأمير السعودي الوليد بن طلال دعما لنشاط المركز في مجال حوار الثقافات والأديان.
وفي غضون ذلك، دافع رئيس تحرير الصحيفة الدانمركية الذي دعا إلى إنجاز هذه الرسوم المسيئة، في سياق مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست في التاسع عشر من فبراير، عن قراره نشر تلك الرسوم. يزعم "فليمينغ روز"، رئيس التحرير الثقافي في صحيفة "يولاندز بوسطن" الدانمركية، إن تلك الرسوم الكاريكاتورية كانت تهدف إلى الرد على: "حالات مختلفة من الرقابة الذاتية في أوروبا بسبب تنامي الشعور بالخوف والحذر في التعامل مع مواضيع مرتبطة بالإسلام"، مضيفا أن صحيفته معروفة بنشر الرسوم الكاريكاتورية الساخرة، وقد سبق لها أن نشرت رسوما كاريكاتورية للعائلة الملكية الدانمركية والرموز المسيحية واليهودية، على حد سواء.
ويستطرد "روز" في مقاله قائلاً: "لقد قصدنا معاملة المسلمين في الدانمرك على قدم المساواة، وهكذا كانت الفكرة من وراء الرسوم الكاريكاتورية هي أننا ندمجكم في التقاليد الدانمركية المتمثلة في فن السخرية لأنكم جزء من مجتمعنا، ولستم غرباء". هذا وقد أبدى كل من "إسبوزيتو" و"روز" معارضته للمظاهرات العنيفة المنددة بالرسوم الكاريكاتورية التي شهدتها الدول الإسلامية، في حين أشارا في المقابل إلى أن احتجاجات المسلمين في العالم الغربي على الرسوم الكاريكاتورية كانت سلمية ومنظمة.
وقال "إسبوزيتو" في لقاء نادي الخريجين إن الجدل القائم حول الرسوم الكاريكاتورية جاء في وقت يشعر فيه العديد من المسلمين بأنهم يتعرضون للإذلال والمهانة في الدول الغربية من قبل المجتمع الذي ينظر إليهم نظرة دونية وينتقص من دينهم. وحسب "إسبوزيتو"، فإن نشر الرسوم الكاريكاتورية ليست له علاقة بالقيم الغربية العلمانية بقدر ما له علاقة بوسائل الإعلام الأوروبية التي تعكس مشاعر متنامية معادية للمهاجرين والمسلمين، بكل بساطة.
وتابع "إسبوزيتو" قائلا: "إن المسلمين حديثو العهد نسبيا بالهجرة إلى أوروبا"، في إشارة إلى موجات الهجرة إلى أوروبا الغربية من البلدان الإسلامية. وعندما يتحدث العديد من الأوروبيين الغربيين عن "مجتمعاتهم ما بعد المسيحية العلمانية" فإنهم يقصدون مجتمعات تتميز عموما بعدم الإيمان. وبالتالي يصعب على هذه المجتمعات فهم أناس ذوي حساسيات دينية قوية، ويعتبر الإيمان لديهم جزءا من هويتهم الشخصية والثقافية.
ويضيف أن الرسوم الكاريكاتورية لم تكن لأسامة بن لادن أو لزعماء إرهابيين آخرين، بل كانت مسيئة ومستفزة بكل معنى الكلمة، بحيث إنها استهدفت الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) والإسلام، وربطتهما بـ"التطرف والإرهاب"، حيث يظهر أحد تلك الرسوم الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعلى رأسه عمامة على شكل قنبلة. وبعد نشر الرسوم الكاريكاتورية في صحيفة دانمركية، عمدت صحف أوروبية أخرى إلى نشرها لاحقا تضامنا مع الصحيفة الدانمركية على خلفية انتقادات المسلمين.
ويقول "روز" إن العديد من الرسوم الكاريكاتورية التي تم طلبها من قبل الصحيفة تصور أيضا صحفيي "يولاندز بوسطن" وزعيم أحد الأحزاب اليمينية المعادية للمهاجرين. وبالنسبة له فإن احترام الإسلام في المجتمع الغربي العلماني يظهر من خلال أمور مثل إزالة الحذاء قبل الدخول إلى المسجد، مضيفا: "ولكن أن يطلب أحد المؤمنين مني، وأنا غير مؤمن، الالتزام بممارسات دينية في المجال العام، فإنه حينها لا يطلب احترامي، وإنما يطلب خضوعي وإذعاني".
وإلى ذلك، يرى "إسبوزيتو" أن الرسوم الكاريكاتورية قد جرى استغلالها في العالم الإسلامي من قبل المتطرفين الباحثين عن أت