استجابة للضغوط الممارسة عليها من قبل المحكمة الفيدرالية, اضطرت وزارة الدفاع الأميركية, إلى رفع السرية المفروضة على المعلومات والبيانات الخاصة بمئات المعتقلين في سجن جوانتانامو الأميركي في الأراضي الكوبية, ممن جرى حبسهم والتحفظ عليهم في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. هذا وقد ضمت الوثائق والبيانات المعنية هذه, آلاف الصفحات التي تخص المعتقلين. ولذلك فهي توفر معلومات شاملة ووافية عن كل سجين من أولئك السجناء, إلى جانب احتوائها على الاتهامات الموجهة ضدهم. والملاحظ أن شكوى السجناء ضد طريقة معاملتهم لم تتوقف في أي صفحة من الصفحات, مثلما تواصلت تأكيداتهم المستمرة لبراءتهم. كما حوت الوثائق صوراً فوتوغرافية شخصية لما يزيد على 300 معتقل من المعتقلين السابقين والحاليين بالسجن.
وقد وصف بعض هؤلاء أنفسهم بأنهم إما فلاحون أو جنود مشاة من ذوي الدخول الضعيفة والمحدودة ممن عملوا في صفوف جيش "طالبان" سابقاً. ولكن من بينهم من اتهمته الولايات المتحدة الأميركية بتلقي تدريبات عسكرية في معسكرات تنظيم "القاعدة", وبأن لهم صلات بكبار المسؤولين عن العمليات الإرهابية التي ينفذها التنظيم. ومما لاشك فيه أن حالات عديدة ممن جرى وصف أصحابها وطبيعة نشاطهم وعملهم, تكشف عن صلات وارتباطات خطيرة بكبار مسؤولي وقادة "القاعدة" بمن فيهم أبو زبيدة الذي يعد رئيس عمليات التنظيم, وهو رهن الاعتقال الأميركي. إلى ذلك كشفت أقوال عدد من معتقلي السجن للجان التحقيق التي استمعت إلى شهاداتهم وإفاداتهم, عن حقيقة أن أتباع أسامة بن لادن كانوا منشغلين بالتغطية على الهاربين والفارين من معسكرات التدريب التابعة لتنظيم "القاعدة", عقب وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر مباشرة. ومن بين المعتقلين سجين يدعى "محمد" وصفه مسؤولو السجن بأنه المسؤول عن معسكر "خالدين" الذي كان يضم آلاف المجندين من مقاتلي "القاعدة". كما وجه الاتهام للسجين نفسه خلال إحدى جلسات الاستماع والتحقيق, بتدريب عدد آخر من مجندي التنظيم على الحروب وخوض المعارك الجبلية, وعلى استخدام البنادق الأوتوماتيكية وعلى استخدام قاذفات القنابل التي تعمل بنظام الصواريخ. وقد اعترف السجين بمعظم الاتهامات الموجهة إليه من قبل المحققين, على الرغم من إصراره على أنه ليس عضواً في "القاعدة".
وتعود بعض الأقوال والإفادات لمعتقلين أقل خطراً وشأناً, ممن جرى استقطابهم إلى معسكرات وساحات المعارك الأفغانية. من بين هؤلاء سجين بشتوني يدعى قاري عصمت الله, كان قد جرى اعتقاله خلال معركة "أناكوندا" التي شنتها القوات الأميركية في منطقة الجبال الشرقية من أفغانستان في مارس من عام 2002، وجاء في اعترافاته أن السبب الوحيد الذي دفعه إلى الوقوف في صفوف "طالبان", هو الضغوط التي تعرض لها من أهالي قريته الذين لاحقوه بالسؤال عن السبب الذي يجعله يجلس في بيته مثلما تفعل النساء, في حين يخرج جميع رجال القرية لقتال ومنازلة الأميركيين؟! وقال السجين إنه لعيب كبير في ثقافة وتقاليد قبيلة البشتون التي ينتمي إليها, ألا يستجيب الرجل للتحديات والضغوط التي تفرض عليه من قبل أنداده الرجال. ومضى إلى القول أيضاً إنه ما كان في نيته مطلقاً مقاتلة الولايات المتحدة, بقدر ما كان متحمساً لقتال المجموعات الناطقة باللغة الفارسية, والتي لها نزاعاتها وخصوماتها مع متحدثي اللغة البشتونية.
يذكر أن الوثائق المفرج عنها, تضم أكثر من 5000 صفحة وتحوي إجراءات قضائية أدلى خلالها السجناء والمعتقلون بأقوالهم وإفاداتهم أمام لجان عسكرية أميركية, على إثر سماعهم للائحة الاتهامات الموجهة ضدهم. وقد أعطيت لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم, ونفي الاتهامات الموجهة إليهم. يضاف إلى ذلك أن الكثير من المعتقلين شكوا من عدم عدالة تلك الإجراءات, لكون القائمين على أمر التحقيقات أفراد لجان عسكرية أميركية, ربما لا يتمتعون إلا بمعرفة محدودة وضيقة جداً –إن وجدت- باستجواب الشهود أو التحقق من صحة الأدلة الدفاعية المقدمة. وكان أحد المعتقلين قد بدأ الإدلاء بأقواله, بإبداء ملاحظة على أن أعضاء لجنة المحكمة الثلاثة كانوا جميعهم أفراداً ينتمون إلى الجيش الأميركي. ومضى لاستكمال ملاحظته تلك بقوله: "الجيش الأميركي هو خصمي، وبما أني أقف أمام محكمة يتولى فيها الخصم دور القاضي, فكيف لي أن أتوقع حكماً عادلاً بحقي"؟! وجاء في رد رئيس المحكمة عليه: "نحن أعضاء لجنة محكمة مستقلة, وسوف تستمر هذه الإجراءات بوجودك أو عدمه, وإن لك كامل الحق في أن تشارك فيها أو ترفض المشاركة"، وكان ذلك خياراً قاطعاً وصعباً جداً أمام السجين المعني!
وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد بدأت جلسات السماع السنوية هذه في وقت متأخر من عام 2004, وسط عاصفة من الانتقادات والحملات الدولية المضادة لاستمرار اعتقال المئات من المتهمين في سجن جوانتانامو. وكان القصد من جلسات السماع تلك, التقرير فيما إذا كان واجباً إطلاق سراح المعتقلين أم ترحيلهم إلى دول أخرى, أم استمرار حبسهم في المؤسسة ال