لقد تحولت أوروبا إلى قاعدة للإحباط والغليان الإسلامي من داخلها, إلى درجة باتت فيها مهددة بانحسار قيم التسامح الديني والثقافي التي عرفت بها. والذي حدث أن التفجيرات التي تعرضت لها العاصمة الأسبانية مدريد, ثم مقتل المخرج السينمائي الهولندي "تيو فان جوخ" على يد متطرف إسلامي, وأخيراً نشر الرسوم الكاريكاتيرية الدانمركية, قد أثارت جميعها موجة عارمة من الغضب والغضب المضاد في أوساط المجتمعات الأوروبية. ومما لاشك فيه أن جميع تلك الأحداث تشكل مادة غنية جداً لإنتاج الأفلام السينمائية وأفلام الفيديو, فضلاً عن صلاحيتها مادة موحية للعروض المسرحية والكوميدية, وللأفلام الوثائقية أيضاً. وبالفعل فقد شرع مخرجو ومنتجو الأفلام الوثائقية والعروض المسرحية الكوميدية وغيرهم, في النظر إلى ما وراء النزاع الأوروبي الذي نشب مؤخراً حول الحجاب وغيره من الرموز الدينية, في محاولة لالتقاط صورة أوسع مجالاً, لقارة بدأت تمزقها مشاعر انعدام الأمن إزاء تعددها العرقي والديني والثقافي. وليس ثمة ما يثير السخرية في أن يكرس هؤلاء المنتجون والمخرجون جهودهم وطاقاتهم الإبداعية لاكتشاف تأثير الإسلام على النسيج الاجتماعي والثقافي والديني للقارة, في الوقت الذي قطعت فيه القارة الأم نفسها, شوطاً بعيداً باتجاه التحول الكامل نحو العلمانية.
ودعنا نتناول هنا ثلاثة أفلام أنتجت مؤخراً, أولها فيلم "تشينزل بارادايز" الذي يقوم على معمارية سلسلة من الأحداث والمواقف الكوميدية, تدور جميعها حول حبكة درامية لقصة غرامية تلامس التوترات العرقية التي نشبت داخل أحد المطاعم الهولندية. أما الفيلم الثاني "وان تو وان" فيعالج موضوع الشكوك الثقافية في المجتمع الدانمركي, عندما يتعرض أحد مواطني الدانمرك الأصليين, إلى الضرب المبرح حتى الإصابة بالغيبوبة التامة, بينما تدور الشكوك وتوجه أصابع الاتهام إلى أحد المهاجرين الفلسطينيين. إلى ذلك يناقش الفيلم الثالث والأخير في هذه السلسلة –عنوانه "محاضرات هامبورج"- موضوع الدروس والمواعظ الجهادية المقدمة من خلال أحد مساجد العاصمة الألمانية برلين, قبيل وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة الأميركية.
ومن خلال هذه الأفلام الثلاثة وغيرها من الأفلام الأوروبية الأخرى, يخلص المرء إلى أن أولئك المهاجرين المسلمين, الذين حلوا بمختلف الدول والبلدان الأوروبية ضيوفاً شباباً عليها ذات يوم, قد تحولوا إلى أجداد وجدات يعيشون في عائلات كبيرة ممتدة, ضاربة بذلك سياجاً اجتماعياً وثقافياً منيعاً حولها, مما يعني غربتها وعزلتها عن المحيط الأوروبي المحيط بها. يذكر أن مارتن كولهوفن مخرج فيلم "تشينزل بارادايز" كان يعكف على تنفيذ سيناريو فيلمه, عندما تعرض زميله "تيو فان جوخ", للطعن وإطلاق الرصاص حتى الموت على يد متطرف إسلامي في أمستردام. وكان المخرج القتيل قد أثار مشاعر غضب المسلمين بفيلمه "الخضوع" الذي وصف فيه ما أسماه جرائم الاغتصاب والزواج القسري في المجتمعات المسلمة.
ومهما يكن من أمر, فقد كان ذلك الفيلم مؤشراً ومنذراً بنشر الرسوم الدانمركية الأخيرة, بدعوى مسألة حرية التعبير في المجتمعات الأوروبية. وتعليقاً على تلك الحادثة قال المخرج كولهوفن: "الوسط السينمائي الهولندي ضيق ومحدود بالطبع, وكلنا يعرف المخرج "فان جوخ" حق المعرفة. ولذا فقد كان حادث الاعتداء عليه صدمة كبيرة بالنسبة لنا. وكان طبيعياً أن يخطر على ذهننا السؤال: "وماذا نفعل بفيلمنا الآن... هل نغيره أم ماذا"؟ وهل تحولت مهنتنا إلى مهنة قاتلة خطيرة؟ ومضى "كولهوفن" مستطرداً في القول: "هناك أوقات يشعر فيها الإنسان بالخوف. ولكن هل لنا أن نمزح في أمر يتعلق بالتعدد والاندماج العرقيين في مجتمعاتنا؟ وعندما طرحت هذا السؤال على نفسي, شعرت بأننا لم نخطئ مطلقاً في حق أحد, بل على العكس تماماً, تأكدت من أننا نقوم بالشيء الصحيح. والأهم من هذا كله, فإذا لم تستمر بإنتاج الأفلام, فسوف تجد نفسك قد تسمرت وتوقفت في منتصف الطريق".
وعلى أية حال فإن فيلم "تشينزل بارادايز" قد عد واحداً من بين أفضل وأميز الأفلام الهولندية، التي أنتجت خلال العام الماضي 2005. وللمزيد من التفصيل عنه, فإن أحداثه تدور حول قصة حب محرّم, تدور بين عاملي وموظفي المطعم. فبدلاً من أن يحقق الشاب المغربي الأصل, نورديب, حلم والده بأن يصبح طبيباً, نراه في الفيلم وقد التحق خلسة بوظيفة غاسل أطباق في مطعم فندق "النسر الأزرق". وهناك يجد نورديب خليطا وأجناساً مختلفة من العاملين والموظفين, من بينهم مغاربة وأتراك وصربيون وهولنديون. وكانت أجمل عاملات المطعم على الإطلاق, النادلة الهولندية آينجز, التي سرعان ما يقع نورديب في حبها, ويعبر معها الحدود والخطوط الفاصلة بين الثقافات والأديان واللغات. وعلى الرغم من أنه يمكن التكهن سلفاً بمصير ومستقبل هذه العلاقة, إلا أن المعالجة الكوميدية للقصة والأحداث, جعلت من قصة الفيلم مادة للإبحار والتنقل بين كل تلك التعقيدات الدينية والعرقية و