بعد توقيع اتفاق يقضي بالاعتراف بالهند كدولة نووية، ويلزم نيودلهي بالتعهد، في المقابل، بإخضاع منشآتها النووية للتفتيش، ربما كان جورج بوش ينتظر بعض نسائم الحب تهب عليه من الهند. لكن على بوش ألا يتوقع كثيراً فقد يتلاشى ذلك الحب ويضمحل إذا ما قدر له النزول إلى شوارع نيودلهي والقيام بجولة بين الأهالي إذ سرعان ما سيصطدم بالمظاهرات العارمة التي نظمها المسلمون احتجاجا على الحرب في العراق، أو الاحتجاجات الأخرى التي سهر على تنظيمها الحزب الشيوعي قبيل زيارة بوش إلى الهند يوم الخميس الماضي. وحينها سيكتشف بأن المواطنين الهنود يكنون في صدورهم مشاعر ملتبسة تجاه القوة الوحيدة في العالم. فحسب آخر استطلاع للرأي أجرته المجلة الهندية "أوتلوك" في الأسبوع الماضي أعرب ثلثا المستجوبين بأنهم ينظرون إلى الرئيس بوش "كصديق للهند". لكن الموقف الإيجابي الذي عبر عنه هؤلاء لم يحل دون تأكيد 72% من المستجوبين أن أميركا دولة "متنمرة" على الصعيد العالمي. هذا في الوقت الذي أفاد فيه 59% من المستطلعة آراؤهم أن الهند "قدمت تنازلات في سياستها الخارجية" لقاء تقاربها مع الولايات المتحدة.
"أنان ماهيندرا" الذي يملك شركة لصيانة أجهزة الكمبيوتر في نيودلهي عبر عن ذلك بوضوح عندما قال: "إنها خطوات أميركا الأحادية في العالم التي تزعج الناس، فأنتم تريدون دائماً أن تتم الأمور على طريقتكم وما دام العالم يمتثل لكم فذلك جيد" مضيفا "لكنكم كنتم أول من استخدم القنبلة النووية في اليابان، واستخدمتم الأسلحة الكيمياوية في حرب فيتنام، كما أنكم تقودون تلك السيارات الكبيرة التي تزدرد الوقود ازدراداً. لذا لا أعتقد أن موقفكم الأخلاقي يخول لكم إسداء النصائح للآخرين". ورغم القواسم المشتركة التي تجمع بين الهند والولايات المتحدة مثل التقاليد الديمقراطية والعلاقات الاقتصادية والتعاون العسكري، ثم المواقف المشتركة حول محاربة الإرهاب، فإن كلاً من الرئيس بوش ورئيس الحكومة الهندي مانموهان سينج يقران بأنه مازال الطريق طويلاً أمام البلدين قبل الدخول في صداقة وطيدة. ولعل بوش كان يدرك هذه الحقيقة عندما أعلن خلال زيارته أمام الصحفيين يوم الخميس الماضي قائلاً "لقد عقدنا اتفاقا تاريخياً حول الطاقة النووية، وأعرف جيداً أنه ليس من السهل على رئيس الحكومة الهندية أن يبرم مثل هذا الاتفاق، ولا هو بالسهل أيضا على الرئيس الأميركي أن يتوصل إليه".
وحتى يكون بوش مقنعا أمام الكونجرس الأميركي فإنه يعتزم المحاججة بأن إنهاء العمل بسياسة عدم الانتشار النووي التي استمرت لعقود من الزمن هو في صالح أميركا مادامت الهند ستطور مصادر الطاقة النووية وستسهم في "تخفيف الطلب العالمي على الوقود". وأضاف بوش في معرض حديثه إلى الصحفيين "لا شك أن عدم الانتشار النووي مسألة مهمة بالنسبة لنا لكننا من خلال مناقشتنا مع الجانب الهندي حصلنا على إشارات جيدة، وهي ما أنوي عرضه على الكونجرس الأميركي". ومن جانبه أعلن رئيس الحكومة الهندي مانموهان سينج بأنه بعدما وافقت بلاده على فتح منشآتها النووية المدنية أمام المفتشين على الحكومة الأميركية "أن تطلع الكونجرس على الاتفاق لإدخال التعديلات الأساسية على القوانين الخاصة بعدم الانتشار النووي وفتح صفحة جديدة مع مجموعة الموردين النوويين لبدء العمل". وبإبرام هذا الاتفاق أصبحت إدارة بوش تواجه معارضة قوية داخل الكونجرس، فضلاً عن مواجهتها لأسئلة شائكة من قبل حلفائها الذين يخشون أن يتحول الاتفاق مع الهند إلى سابقة على الصعيد الدولي تشجع الدول المعادية مثل إيران وغيرها على المضي قدماً في حيازة الأسلحة النووية. ولم تمنع تلك المعارضة من أن يعبر كبار المسؤولين في إدارة بوش عن ثقتهم في التغلب على الشكوك التي يثيرها منتقدو الاتفاق، خصوصاً في ظل الإجماع الذي تشكل في الغرب وفي الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري" حول ضرورة تشجيع الهند لتصبح معقل الديمقراطية في آسيا، ولكي تكون قوة يعتد بها توازن قوة الصين الصاعدة في المنطقة.
وبموازاة ذلك أصدرت وزارة الدفاع الأميركية بياناً أعربت فيه عن ترحيبها المطلق بالتعاون العسكري الأميركي- الهندي، مؤكدة أنه "قبل سنوات قليلة فقط لم يكن أحد يتحدث عن عقد صفقة دفاعية مع الهند. أما اليوم فقد أصبح المستقبل واعداً سواء في مجال الطائرات الحربية، والمروحيات، والسفن الحربية". ولعل أكثر ما يخدم الاتفاق ويدفع به على طريق النجاح هو ما عبر عنه بعض الدبلوماسيين الذين شهدوا المفاوضات بين الولايات المتحدة والهند من أن الدول الأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وحتى روسيا سوف تسارع في نهاية المطاف إلى دعم الاتفاق لأن شركاتها ستكون المزود الأساسي للهند فيما يخص الوقود النووي والمعدات الضرورية لتشغيل مفاعلاتها النووية. ويتوقع العديد من الدبلوماسيين أن تعبر الصين عن تحفظها تجاه الاتفاق بسبب ما أعلنته الهند صراحة من رغبتها في امتلاك ترسانة نووية لموازنة قوة بكين وحليفتها التقليدية باكستان. من ناحيتهم