حدثت ضجة في البحرين مؤخراً على خلفية عبارات مقتضبة كتبت على لافتات كبيرة انتشرت في أنحاء البلاد بمناسبة احتفال البحرينيين الشيعة بيوم عاشوراء، ما اعتبرته فعاليات شيعية وسنية تأجيجاً للفتنة الطائفية لأنها تقسّم البحرينيين أنفسهم بين معسكرين: واحد مع الحسين والآخر مع يزيد.
ما استشفته تلك الفعاليات من اللافتات أنها تريد القول إن الشيعة مع الحسين والسنة مع يزيد، وهذا الفهم بديهي، وإن لم يكن صحيحاً، وهو موضوع هذه الأسطر. فالشيعة يقدّسون الحسين ويلعنون يزيد، بينما السنة يجلّون الحسين، مع رأي شاذ يعتبر خروجه على "إمام عصره" اجتهاداً خاطئاً، لكنهم يختلفون في مواقفهم تجاه يزيد ما بين لاعن وشاتم وممتنع ومترحم واعتباره خليفة صالحاً مفترى عليه.
برأيي أن هذا التقسيم غير سليم، فلا السنة مع يزيد ولا الشيعة مع الحسين، والقضية أصلاً لا تتعلق بسنة وشيعة ولا بمسلم وغير مسلم، وإنما في العمل بمبادئ هذا أو ذاك، هنا تكمن القضية، بل هو ليس شأناً خاصاً بالحسين ويزيد، فقد كان من قبلهما هابيل وقابيل، ومن بعدهما وإلى يومنا هذا: ثنائية الظالم والمظلوم.
فالمرء، بقطع النظر عن مذهبه وديانته، إن كان متمسكاً بمبادئ الحسين قولاً وفعلاً، فهو من معسكر الحسين حتى وإن لم يكن يعرف الحسين أو سامعاً بمبادئه وخروجه. وفي الوقت نفسه، فالمرء، بغض النظر عن مذهبه وديانته، إن كان متعلقاً بأخلاق يزيد قولاً وفعلاً، فهو من معسكر يزيد حتى وإن لم يكن يعرف يزيدا أو عالماً بأفعاله، بل حتى لو كان يلعنه ليلاً نهاراً.
أشخاص مثل عمر المختار والمهاتما غاندي ونيلسون مانديلا ومارتن لوثر كينج نادوا بما نادى به الحسين وعمل كل منهم وفق ظروفه بمبادئ الحسين وإن لم يكونوا كلهم قد سمعوا به، فثمة أشياء تجمعهم منها طلب الإصلاح والإباء والتحدي وعدم الرضوخ للظلم ورفض منطق العنف اللامشروع، وهم بذلك يمثلون مشاعل تضيء دروب البشرية، ومدارس تتتلمذ الإنسانية عليها. بينما الحجّاج وهتلر وستالين وميلوسوفيتش وشارون لا تختلف حججهم عن حجج يزيد ولا تختلف أفعالهم عن أفعاله سوى بأعداد الضحايا وطريقة القتل والتنكيل، لكن الفكرة واحدة ألا وهي التسلّط على رقاب الناس وقهرهم وترهيبهم.
فلو اصطفت الفئتان اليوم على أرض كربلاء، وجُمع هؤلاء في ذلك المكان، فمن الطبيعي أن يقف غاندي ومانديلا في صف الحسين إيماناً منهما بمبادئه لأنها مبادئهما أصلاً حتى لو لم يصليا خلفه، ومن غير المستبعد أن يقف ستالين وشارون في المعسكر الآخر لأن الطيور على أشكالها تقع حتى لو جلسا يثرثران بينما القوم منهمكون في أداء الصلاة.
مع التنبه إلى نقطة مهمة وهي أن الأفعال هي التي تقسّم الناس إلى حسينيين أو يزيديين أو إلى غانديين أو هتلريين أو إلى ماندليين أو شارونيين، وليس مجرد الكلام والخطب والدموع واللطم والخروج في المظاهرات، فالبكاء على الإمام الحسين آناء الليل وأطراف النهار لا يعني الدخول في معسكر الحسين، مثلما لا يعتبر الجهل بشخصية الحسين ولا حتى عدم الاقتداء به بقصد الاقتداء خروجاً من معسكره، وإنما العمل بمبادئ المصلحين والالتزام بقيمهم.