في الرابع والعشرين من شهر فبراير المنصرم, حاولت مجموعة انتحاريين من تنظيم "القاعدة", تفجير منشأة نفطية سعودية ضخمة في البقيق, مستخدمين في ذلك شاحنة مفخخة. وعلى الرغم من نجاح قوات الأمن السعودية في إحباط المحاولة, إلا أن مؤشرات أسعار النفط العالمي سرعان ما شهدت ارتفاعاً, في إشارة واضحة إلى ما يمكن أن يحدث بالفعل, في حال نجاح المحاولة الإرهابية وتفجير تلك المنشأة التي تجري فيها معالجة النفط الخام. عندها كان ممكناً لأسعار النفط أن تصل إلى 100 دولار للبرميل, مما يترك تأثيرات بالغة السلبية على اقتصادات الدول الصناعية الكبرى, بما فيها العملاقان الآسيويان الناهضان, الهند والصين. وما تلك الحادثة سوى تذكير جديد بمدى خطر الإرهاب على صناعات النفط وإمداداته العالمية. وجاءت الحادثة كذلك في وقت أضافت فيه الاضطرابات السياسية والمدنية الجارية في نيجيريا بعداً جديداً للشكوك المحيطة بتدفق النفط إلى أسواقه العالمية.
يضاف إلى ذلك كله أن المحاولة الإرهابية المذكورة, وقعت بعد يومين فحسب من الدمار الذي لحق بالمزار الشيعي في مدينة سامراء, وما أعقبه من اندلاع لنيران العنف والعنف المضاد في جنوب ووسط العراق, مما أثار احتمالات نشوب حرب أهلية جديدة هناك. ولكل ذلك فإن في تلك المحاولة الإرهابية ما يدعم الحجج القائلة بضرورة تراجع الولايات المتحدة عن سياسات اعتمادها على النفط الخليجي, وتقليص ذلك الاعتماد. وحتى حلول الوقت الذي تتمكن فيه واشنطن من تحقيق هذا الهدف, فإنه يظل لزاماً عليها سداد أسعار السلعة التي تشتريها, بصرف النظر عن مصدرها ومنشئها.
وعلى خلفية هذه التطورات مجتمعة, فلا بد من القول إن العلاقات الأميركية- السعودية قد ظلت تشهد تحسناً ثابتاً ومنتظماً, على الرغم من التوترات والمشادات الكلامية التي حدثت بين واشنطن والرياض في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. ورغم أن هناك طائفة من القضايا والأمور المختلف عليها بين حكومتي البلدين، فإنها جميعاً أمور مقدور عليها, وفي الإمكان تسويتها بين الطرفين.
ولما كانت واشنطن تدرك أن التحدي الأكبر الذي تواجهه الآن هو احتواء العنف في العراق, وأن إنجاز هذا الواجب لن يتم إلا عبر عملية طويلة وممتدة, فإن من الأهمية بمكان أن تضع أميركا نصب عينيها, تحسين وتطوير علاقاتها مع كبريات الدول العربية, لاسيما السعودية والأردن ومصر, فضلاً عن مجموعة الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وما لم توطد أميركا علاقاتها بالدول العربية وترفع مستوى وحجم تعاونها مع هذه الدول, فسوف يكون عليها مواجهة خطر مدلهم, يمثله ثنائي العنف في العراق من جهة, والمطامح النووية الإيرانية من الجهة الأخرى. وفي هذا السياق, فقد ووجهت الضجة السياسية التي عمت أرجاء الكونجرس الأميركي بسبب صفقة شركة "موانئ دبي العالمية" التي ستتولى بموجبها الشركة إدارة وتشغيل موانئ السواحل الشرقية الأميركية, بموقف صارم من عدد من كبار مسؤولي الحكومة الأميركية الذين عملوا في المنطقة, سواء في السابق أم في الوقت الحالي. وفي مقدمة هؤلاء, القادة العسكريون الذين نفوا أن تكون لهذه الصفقة أي تأثيرات أو تهديدات للأمن القومي الأميركي.
وعلى الرغم من أن إدارة بوش لم تحسن إدارتها للجدل الدائر حول هذه الصفقة, فإنه من المتوقع المصادقة عليها, إثر الانتهاء من إجراءات المراجعة الأمنية الشاملة لجوانب الاتفاق. هذا وقد تمكنت الأصوات الواقعية والعقلانية في إدارة بوش, من الجهر بصوتها وتأكيد موقفها, في مقابل انحسار تأثير وسطوة ممثلي آيديولوجيا "المحافظين الجدد" على الإدارة الحالية. وفي هذه التطورات كلها ما يحفز التعاون الأميركي العربي.