لا اختلاف في أن التعليم العام في الدول العربية يعاني من مشاكل عويصة... بل وكذلك التعليم الجامعي.
لا اختلاف في أن الحكومات العربية، ممثلة بوزارات التربية، غير قادرة وربما غير راغبة، في تحديث التعليم العام إلا في أضيق الحدود... ولكن هل هي قادرة على الارتقاء بالتعليم الجامعي؟ هل لديها أهداف واضحة؟
لم ينتظر أولياء الأمور فلاسفة التربية ومسؤوليها كي يردوا على هذين السؤالين، فقد ازدحمت المدن العربية بالجامعات الخاصة، أجنبية وعربية، وهي جامعات تنافس الجامعات الحكومية، تماماً كما صارت المدارس الخاصة، من رياض الأطفال إلى الثانويات، تنافس كذلك "مدارس الحكومة"! ولكن هل خصخصة التعليم العام أو الجامعي تحل مشكل العالم العربي حقاً؟
الخبير التربوي المعروف، د. محمد جواد رضا في محاضرة له بجمعية "تقدم الطفولة العربية في الكويت"، هاجم هذه الجامعات الخاصة، وشكك في أهدافها كماً وكيفاً!
مآخذ د. رضا على الجامعات الخاصة متشعبة، الأمر الأول هو "الطبيعة الطبقية" لهذا التعليم، حيث لا يلتحق به في الغالب إلا المقتدر مالياً، و"ليس في هذه الطبقية الجديدة ما يعين على انتشار الديمقراطية والتلاحم الشعبي". الأمر الثاني، تراجع دور الحكومات العربية عن كفالة العدالة الاجتماعية للشباب، وتوفير تعليم جامعي راق يؤهلهم للمساهمة في تطوير البلاد وتحسين مستواهم المعيشي على الصعيد الفردي والعائلي. أما الأمر الثالث، فيشير إلى زحف العولمة والخصخصة على التعليم الجامعي، وما يشكله ذلك من تهديد في أكثر من مجال. الأمر الرابع، هيمنة الصيغة الربحية على هذه الجامعات الخاصة، حيث تحول التعليم العالي العربي إلى منطق الاستثمار والمصلحة الخاصة، واتخذت الجامعات الخاصة منحىً تجارياً كأي مشروع استثماري!
إلا أن د. رضا اعترف أن الجامعات الخاصة، ورغم كل هذه السلبيات السابقة، تمثل ضرورة اقتصادية واجتماعية، إذ يدل الإقبال الجماهيري عليها على قناعة الناس بكفاءتها التعليمية، وأنها توفر مزايا ظاهرة وخفية للملتحقين، كما أنها سبيل مضمون لتحقيق الأمن الوظيفي والارتقاء الفردي والعائلي، وهي أداة للحراك الاجتماعي نحو المراتب الأعلى في سلم الطبقية الاجتماعية.
وفي مجال تنظيم الجامعات الخاصة، دعا المحاضر إلى ضرورة الاهتمام بالتشريعات والقوانين التي تتحكم بنموها، موضحا أنه لابد من قوانين عصرية تواكب هذا التوسع في الجامعات على النحو الآتي:
أولاً: ضمان تحول هذه الجامعات الخاصة إلى معاهد تطبيقية رفيعة المستوى، تتحكم القوانين بمستوى مناهجها ومدرسيها.
ثانياً: يجب أن يفرق نص القانون تفريقاً واضحاً بين الترخيص لإنشاء مؤسسة خاصة للتعليم العالي، وبين الاعتمادية المشروطة لمباشرة المؤسسة أنشطتها التعليمية، وطالب بأن تكون الاعتمادية سابقة لبدء المؤسسة عملها وليست لاحقة.
كان بين المعقبين وزير التربية الكويتي الأسبق، الدكتور حسن الإبراهيم، الذي أشار إلى الأعباء المالية التي تحاصر الآباء بسبب الإنفاق على تعليم أبنائهم. وذكر أن الحكومة الكويتية لم تبادر بإنشاء جامعة جديدة طيلة الحقب الماضية وإنما وضعت أساساً لجامعة في منطقة الشدادية، وطالب د. الإبراهيم بالتوسع في تأسيس المزيد من الجامعات الخاصة والحكومية.
ودعت الدكتورة موضي الحمود، رئيسة الجامعة المفتوحة، إلى "تزاوج المال والتعليم ليساهما في نهضة المجتمع"، وأضافت أن ضغوطات التنمية وتزايد عدد الطلاب ومحدودية إمكانيات التعليم الحكومي تدعم مساهمات القطاع الخاص في هذا المجال؛ ففي الأردن هناك 22 جامعة خاصة، وفي مصر 40 جامعة خاصة، وهذه أرقام كبيرة. وفي الكويت، نجحت الجامعات الخاصة، رغم مشاكلها، وأضافت الشيء الكثير في مجالها، إذ أن القطاع الحكومي غير قادر على ذلك.
وقال الدكتور محمد الرميحي إن 40% من أولياء الأمور في الكويت يرسلون أبناءهم إلى التعليم غير الحكومي. أما عن الجامعات، فالأفضل أن تسمى "متخصصة" بدلاً من "خاصة"، وأضاف أن إصلاح التعليم الجامعي الحكومي صعب وسيجابه بالمقاومة، والأستاذ الجيد الجاد في الجامعة مهجور من قبل الطلبة!
وكان بين المعقبين الدكتور أسامة الجمالي، فقال إن عامل المنافسة سيحسن التعليم الجامعي في الكويت. أما عن الجامعات الأميركية- بعد أن سمع كثيراً عن إيجابياتها- فقال إنها "ليست كلها هارفرد وييل وكولومبيا"، بل هناك جامعات كثيرة "تجارية" وضعيفة وبعيدة جداً عن جامعات أميركا الراقية والمشهورة.
قلت في تعقيبي، إن المشكلة ليست في وجود الجامعات الخاصة، بل ولا في سلبياتها المتوقعة، بل المشكلة الأولى والأساسية في فشل سياسات العالم العربي التعليمية، وهو فشل مرتبط بإخفاقاتها في مجالات أخرى. ففي الكثير من دول العالم تمنح جهات حكومية قروضاً تعليمية للطلاب يسددونها بعد تخرجهم، وجهات تتابع علاقة مخرجات الجامعة بحاجات السوق والتنمية، وجهات تشجع دور الجامعة في البحث والتطوير... إلخ. ونحن لا نرى لكل هذا أثراً في جامعات العالم العربي. إن نسبة ضئيلة من طلاب