عبرت الفوضى السائدة في منطقة دارفور التي مزقتها الحروب، والتي قتل فيها ما يزيد على 200 ألف مدني الحدود إلى دولة تشاد المجاورة، وهو ما يهدد بتفاقم الوضع الذي يشكل كارثة تعتبر من أكبر كوارث اللاجئين في العالم.
فقد أندفع المسلحون العرب من دارفور عبر الصحراء ودخلوا تشاد، وقاموا بسرقة الماشية، وإحراق المحاصيل، وقتل كل من يقاومهم. وقد أدت الفوضى والخروج عن القانون إلى إجبار 20 ألف تشادي على الخروج من ديارهم والتحول إلى لاجئين داخل بلدهم.
واليوم مئات الآلاف في هذه المنطقة، وكذلك 200 ألف سوداني فروا إليها بحثاً عن السلامة، يجدون أنفسهم عالقين في صراع تتصاعد حدته بين تشاد والسودان وهما دولتان بينهما تاريخ طويل من العنف والتدخل في شؤون الداخلية.
وفي الحقيقة أن الروايات التي يرويها المدنيون في شرق تشاد تكاد تتماثل في تفاصيلها المؤلمة مع الروايات التي يرويها المدنيون في غرب السودان. فهذه الروايات تدور كلها حول قيام رجال يمتطون صهوات الجياد وظهور الجمال بمهاجمة القرى في تشاد، وإحراق حقول الذرة، مما يدفع السكان إلى الهرب والانضمام إلى من سبقوهم من اللاجئين في بلدهم.
والفوضى المنتشرة ترجع إلى صراعين مترابطين بشكل وثيق يدوران في هاتين الدولتين المتجاورتين. ففي دارفور يقوم المتمردون بالقتال ضد قوات الحكومة وقوات "الجنجويد" وهي قوات مكونة من رجال المليشيا العرب الذين يقفون مع الحكومة في صف واحد ويتحدون معها في القيام بحملة أطلقت عليها إدارة بوش "مذابح جماعية"، وقد وافق مجلس الأمن الدولي على إرسال قوات لحماية المدنيين، لكن هذه القوات تحتاج إلى شهور حتى تصل إلى هناك. في الوقت ذاته قال بوش إن "الناتو" يجب أن يدعم مهمة حفظ السلام الفاشلة التي يضطلع بها الاتحاد الأفريقي غير أن الزيادة المطردة في حدة أعمال العنف هناك أدت إلى إخراج عشرات الآلاف من الناس من ديارهم في الأسابيع الأخيرة.
وفي تشاد تخوض الحكومة حربها الخاصة ضد المتمردين الذين ينطلقون من قواعد في السودان، والمصممين على إسقاط رئيس تشاد "إدريس ديبي". وهؤلاء المتمردون يضمون الجنود الساخطين الذين فروا من وحداتهم، والقبائل التي تتمرد على أعضاء قبيلة الرئيس التي حكمتهم طويلاً وهي قبيلة "الزغاوة"، التي وإن كانت تشكل نسبة صغيرة من السكان، إلا أنها تسيطر ومنذ زمن طويل على المناصب السياسية والعسكرية.
وفي مؤشر على الحد الذي أصبح به النزاعان غير قابلين للانفصال عن بعضهما بعضاً اتهم الرئيس "ديبي" السودان بمساندة التمرد ضد حكومته، في الوقت الذي يشك فيه السودان منذ وقت طويل في أن أعضاء من عائلة الرئيس "ديبي"، يقومون بمساندة المتمردين الذين يقودهم "الزغاوة" في دارفور.
وقد وافق الجانبان في لقاء قمة أجري بليبيا، في بدايات فبراير المنصرم، على قيام كل جانب بالتوقف عن مساندة المتمردين في أراضيه، والتخفيف من حدة الخطاب الإعلامي العدائي. مع ذلك ظل المتمردون التشاديون على الجانب السوداني من الحدود، ومن غير المعروف الآن ما إذا كان "ديبي" يمتلك القدرة على إيقاف أفراد عشيرته ومنعهم من مساعدة متمردي دارفور.
وإذا لم تتم السيطرة عليه من خلال تدخل دولي، فإن هذا الخليط المتغير من القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة، وما يقترب من ست جماعات متمردة في المناطق النائية التي تعج بالسلاح، سيقود المنطقة حتماً إلى كارثة كما يقول "جون بريندرجاست" كبير المستشارين في مجموعة الأزمات الدولية وهي منظمة غير ربحية، والخبير أيضاً في شؤون صراع دارفور.
أما السلطات الأمنية المحلية هنا، فهي تفتقر إلى الوسائل التي يمكن أن تضبط بها عملية الخروج على القانون. حول هذه النقطة يقول "محمد لوني" مسؤول الشرطة في مدينة "أدريه" الحدودية إنه يفتقر إلى السلاح والعدد الكافي من الرجال، وإن الموقف كارثي بسبب طول خط الحدود مع السودان، وبسبب الهجمات التي تشنها الجماعات المتمردة بالأسلحة الثقيلة على قوات الشرطة وعلى السكان المدنيين، والتي أدت إلى هربهم من ديارهم ومفاقمة أزمة اللاجئين داخل تشاد.
ويقول قائد عسكري يدعى الجنرال "إيتمو" من معسكره القائم فوق أحد التلال: "إن السودانيين يريدون استخدام الجنجويد الذين قاموا بتسليحهم لإرهاب دارفور، ولكننا لن نسمح لهم بذلك". ومع ذلك فإن "إيتمو" يقر بعجزه عن تسيير دوريات على طول خط الحدود قائلاً إن الحدود طويلة وإنه لا يستطيع أن يقوم بكل شيء وحده.
وحصول المتمردين التشاديين على ملاذ آمن في السودان أمر لا يتطرق إليه الشك. ففي مدينة "الجنينة" عاصمة غرب دارفور، والتي تشبه الحامية العسكرية يمكن رؤية مسلحين ينتمون إلى 6 جماعات مختلفة وهم يجوبون الشوارع، كما يمكن رؤية أشخاص عرب يطلق عليهم السكان المحليون اسم "الجنجويد" وهم يسيرون حاملين أسلحتهم.
وفي منطقة السوق، وعندما يأتي المساء، يمكن رؤية الجنود الفارين من الجيش التشادي، وهم يرتدون عماماتهم المميزة، ويحتسون الشاي، وقد وضعوا مدافعهم الرش