لحود... رئاسة ابن الجبل خارج دائرة صفير!


قضايا سياسية كثيرة تقسم الرأي العام اللبناني هذه الأيام، وتعيد فرزه في خطوط جبهوية متعارضة؛ فالمواقف السياسية في بلاد الأرز تتباين كثيرا وتتناقض حتى تدق أجراس التحدي والخطر! وهو واقع تلخصه الأجندة العامة لمؤتمر الحوار الوطني اللبناني المنعقد منذ الخميس الماضي، سعيا إلى إيجاد قواسم مشتركة في مواضيع الانقسام السياسي الحاد الذي يشهده لبنان منذ عدة أشهر، بما في ذلك موضوع المحكمة الدولية لمقاضاة قتلة رفيق الحريري، والعلاقة مع الجار السوري، وسلاح المقاومة، وملكية مزارع شبعا، إضافة إلى الموقف من القرارات الدولية ذات الصلة... لكن أيضا من أجل إيجاد مخرج لمطالبة تحالف "14 مارس" بإقالة رئيس الجمهورية إميل لحود! ويواجه لحود منذ حادثة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في فبراير 2005 ضغوطا قوية لدفعه خارج قصر بعبدا، وقد تصدرتها داخليا قوى "14 مارس" بقيادة سعد الحريري؛ والتي فرضت مقاطعة واسعة على لحود متهمة إياه بالفساد، وبالمسؤولية عن انتهاكات كثيرة، وبالارتهان لأوامر دمشق، وبالضلوع أيضا في عملية اغتيال الحريري!


أما خارجيا فلم تخف كل من واشنطن وباريس غضبهما ضد لحود الذي تعتبرانه مكونا من مكونات عهد الوصاية السورية، وقد تجاهلتاه مرارا في محاولة لعزله، وأثناء زيارة مفاجئة قامت بها إلى بيروت يوم الـ23 من فبراير المنصرم، استثنته وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس من مباحثاتها مع كبار المسؤولين اللبنانيين! ولعل أكثر ما أدى إلى النيل بشدة من الموقع المعنوي للرئيس لحود، هو أربعة تطورات أساسية شهدها العام الماضي؛ أولها الفوز الكاسح لكتلة الحريري بأغلبية مقاعد البرلمان في الانتخابات التشريعية، وثانيها رفع التغطية المسيحية عن الرئيس، بعد ما دأبت البطريركية المارونية على التمسك بهيبة المنصب الرئاسي. وثالثها كان اعتقال أربعة من قادة الأجهزة الأمنية الذين يتبعون لحود مباشرة، للاشتباه بهم في التخطيط لعملية اغتيال الحريري، أما التطور الرابع فهو جلسات الاستماع التي تحدث فيها إلى رئيس فريق التحقيق الدولي ديتلف ميليس حول الاغتيال، ليذكر تقرير ميليس فيما بعد أن اتصالا هاتفيا جرى بين أحد المشتبه بهم (هو أحمد عبد العال) والرئيس لحود قبل دقائق من التفجير الذي أودى بالحريري. تلك التطورات وغيرها، هي مما مهد الأرضية لقوى "14 مارس" كي تذهب أبعد من ذلك وتعلن في الرابع عشر من الشهر الماضي إعطاء لحود مهلة شهر للتنحي من منصبه، وأنها بصدد إصدار عريضة نيابية تطالب باستقالته.


 وقبل أن تتراجع عن "مهلة الشهر"، اكتشفت "14 مارس" أن الآلية الدستورية الراهنة لا تتيح إقالة الرئيس، إذ تقتضي توافر غالبية الثلثين في المجلس النيابي، فعمدت بدلا عن ذلك إلى العرائض الشعبية، وهي ليست ذات قيمة قانونية أو دستورية، لكنها قد تصبح بمثابة اقتراع شعبي مباشر على الرئيس. وتتركز الطعون التي يقدمها معارضو لحود في شرعية رئاسته الحالية، على الملابسات التي أحاطت بموافقة البرلمان على تمديد ولايته ثلاث سنوات إضافية عام 2004، بإيعاز من "الوصاية السورية" في حينه، وخلافا للمادة 49 من الدستور، ما أدخل لبنان في أزمة سياسية ضخمة، ووضع دمشق في تصادم مع القوى الدولية الكبرى. لكن لحود رفض كل الدعوات الداخلية والخارجية لاستقالته، متعهدا بالبقاء حتى آخر لحظة من ولايته! وتعود العلاقة بين لحود ودمشق إلى صيف عام 1993 حينما نجح وارن كريستوفر وزير الخارجية الأميركي الأسبق في إقناع الرئيسين إلياس الهراوي والحريري بإرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب، الأمر الذي رفضه بشكل قاطع قائد الجيش العماد إميل لحود، مشيرا إلى ضرورة الحفاظ على جدول أعمال التنسيق اللبناني- السوري المشترك. وبعد انتهاء ولاية الهراوي كان لحود مرشحا مفضلا لدى دمشق، أما الولايات المتحدة وأوروبا فلم تظهر أي "فيتو" ضده، فيما وقفت معه القوى الوطنية والإسلامية، فنال في الـ15 أكتوبر 1998 موافقة أكثر من ثلثي أعضاء البرلمان وعارضته كتلة وليد جنبلاط. أحدث فوز لحود هزة في الأحزاب المسيحية المعارضة؛ مثل التيار العوني و"الكتلة الوطنية" بزعامة ريمون إده و"كتائبيي" أمين الجميل و"حزب الوطنيين الأحرار"، بينما نال تأييد البطريك نصر الله بطرس صفير، وذلك لاعتبارات أهمها أنه من جبل لبنان، وابن عائلة سياسية مسيحية مارونية عريقة، إلى جانب كونه قادما من رأس المؤسسة العسكرية التي كانت على الدوام درعا لحماية الجميع.


ووالده الملقب بـ"الجنرال الأحمر" كان عسكريا وقائدا للجيش في عهد الرئيس فؤاد شهاب، ثم استقال وفاز مرتين بعضوية البرلمان، وأصبح وزيرا في عدة حكومات. أما إميل لحود الذي ولد عام 1936 في قرية بعبدات التابعة لمحافظة المتن في الجبل، فانضم إلى الأكاديمية العسكرية عام 1956 وتخرج منها ملازما عام 1959، ثم رقي إلى رتبة رائد عام 1970، وتولى عدة مواقع في و