في مقال سابق حمل عنوان "لا للدفاع"، وتعرضت خلاله إلى الأحداث التي جرت بسبب نشر الصور المرفوضة للرسول عليه الصلاة والسلام وما عقب ذلك من أحداث نؤيد بعضها ونرفض البعض الذي أدى إلى سفك الدماء أو التعرض للسفارات في بعض الدول العربية والإسلامية، وكانت وجهة نظري الشخصية إيجابية وإن بدت للبعض أنها سلبية فقد رأيت أهمية الابتعاد عن مبدأ ردود الفعل العاطفية والتي لن تحقق الأهداف المقصودة منها بل على العكس قد تستثمر ضدنا كمسلمين في تشويه الصورة النقية للإسلام. ورأيت أهمية الانتقال من ردود الفعل تحت مبدأ الدفاع عن الرسول عليه الصلاة والسلام إلى مبدأ آخر وهو التخطيط المتزن لتحقيق الأهداف التي نريد، وضربت مثلا بما نجح اليهود في تحقيقه بالتخطيط البعيد المدى. تلقيت بعض التعليق حول ما نشر، وبدوري أشكر العقول المفكرة التي تتأمل فيما تقرأ وتتواصل مع من تقرأ له سواء بالتأييد أو الرفض، وكما يقال فإن الاختلاف في وجهة النظر لا يذهب للود قضية، هذا عند العقلاء على الأقل. أحد التعليقات التي وصلتني وكان على حق تأمل المقال من زاوية مهمة ملخصها أنني ككاتب تناولت الأحداث من الزاوية السالبة ولم أتعرض إلى الجوانب الإيجابية للقضية، وربما يكمن الجواب في ضيق المساحة المخصصة للكتابة والتي تفترض في الكاتب عصر أفكاره لمزجها في أقل عدد ممكن من الأفكار مما يخل في بعض الأوقات بما يريد الكاتب الوصول إليه، وعليه فقد أفادني هذا التعليق في سرد بعض الجوانب الإيجابية للأحداث مع تأكيدي على رفض كل الممارسات غير المسؤولة التي ترافقت معها.
من أول النقاط الإيجابية في الموضوع أن أمة محمد عليه الصلاة والسلام لازالت حية فهي ليس كما يتخيلها البعض أمة فقدت أصولها وثوابتها، وقد أعجبني تعليق أحد المسلمين الذي قال عن نفسه أنا مسلم وأعيش في الغرب ولا أصلي ولا أصوم رمضان كما أنني لم أحج لكنني أرفض المساس بشخصية الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أعتبر ذلك من ضمن حرية التعبير. فإذا كانت هذه ردة فعل هذا المسلم فكيف تكون ردة فعل من أدى الشعائر؟ فإذاً هذه أمة تمر بصحوة عقدية وتعبدية رائعة رغم كل التحديات التي تواجهها.
الأمر الثاني والملاحظ عبر هذه الأزمة أن الغرب قد يتساهل في أمور كثيرة لكنه يترنح كثيرا تحت الضغط المالي، فبالرغم من أن صادرات الدانمرك إلى الوطن العربي تقدر بـ1.7% إلا أن هذه النسبة الزهيدة لم تمنع التجار في ذلك البلد من اتخاذ ما يلزم لإصدار البيانات المختلفة والتي تعتذر عما جرى من إساءة للمسلمين، فالبعد الاقتصادي بعد مؤثر في المجتمع الغربي متى ما أحسن التعامل معه.
البعد الثالث تحت هذه القضية يكمن في حاجتنا كمسلمين إلى التعرف على الآخر وفتح قنوات للتواصل معه فكم هي السنون التي مرت دونما تفكير جاد منا كمسلمين للإيصال رسالتنا السمحة للناس الذين هم في أمسِّ الحاجة إليها، ومع كل أزمة فإن هذا الدين يثبت مكانة أصله، وقد أعجبني فكر أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام عندما قالت عن حرب بعاث، وهي حرب أهلية جرت بين الأوس والخزرج قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام نال منها كلا الفريقين الجراح، قالت أم المؤمنين إنه مما قدم الله تعالى لبعثة الرسول عليه السلام حرب بعاث حيث كان الأوس والخزرج يبحثون عمن يرشدهم إلى خيرهم فكانوا أنصار هذه الدعوة الجديدة، فهل تكون أحداث الصور طريقاً لفتح جديد للمسلمين في العالم؟ هذا ما نتمناه إذا كنا نفكر بعقل إيجابي.