حسناً فعلت هيئة الخدمات الصحية لإمارة أبوظبي حين دعت الصحف والمجلات المحلية إلى عدم نشر أي إعلانات تتضمّن أمورا صحية إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق من الهيئة، وليت هذا التعميم يمتلك آليات تنفيذ تلزم الجميع بفحواه، خصوصاً أن الهيئة كانت قد أصدرت فيما يبدو قرارا مشابها العام الماضي ولم يتم العمل بما تضمّنه من تعليمات تستهدف الحفاظ على الصحة العامة. والمتوقع -في حال تطبيق التعميم فعليا في أبوظبي- أن تهرب مئات الإعلانات الصحية التي تتلاعب بمشاعر المرضى وتبيع "الوهم" في شكل إعلانات، وتتحايل على القرار عبر النشر في الإمارات الأخرى. ولذا فإن المأمول أن يتحوّل التعميم إلى سياسة اتحادية تعمّم سواء من خلال وزارة الصحة أو من خلال آليات أخرى يتم بمقتضاها إلزام الصحف والمجلات -خصوصا الإعلانية المجانية منها- على مستوى الدولة بمنع نشر الإعلانات ذات الصلة بالصحة العامة من دون تصريح مسبق من الدوائر الصحية الرسمية.
والمؤكد أن هذا القرار جاء في وقت تحوّلت فيه الإعلانات عن بعض المستشفيات والعيادات الخاصة والأدوية العشبية والمعالجة بالأعشاب إلى التجارة بمتاعب الناس والتلاعب بمشاعر المرضى واستنزاف جيوبهم، ناهيك بالطبع عمّا تسبّبه بعض "الوصفات" العشبية وما يمارسه بعض مدّعي العلاج بالطب البديل من مضاعفات جانبية كارثية في غياب تام عن الرقابة، التي ظلت غائبة عن السيطرة على مجال الإعلانات الصحية طوال الفترة الماضية.
صحيح أن الإعلان هو العصب الاقتصادي لصناعة الإعلام، وهو أحد محرّكات التطوير والتنافسية في هذه الصناعة الحيوية، ولكن الأمور لا تسير في الدول المتقدّمة من دون ضوابط، ففي بريطانيا -على سبيل المثال- خططت الحكومة لوقف الإعلانات المتلفزة عن الوجبات السريعة قبل التاسعة في محاولة لمكافحة أزمة البدانة المتفشية، وحماية الأطفال الذين يشاهدون البرامج التلفزيونية في الأمسيات. كما لجأت دول أخرى إلى إلزام محلات الوجبات السريعة بوضع قائمة بالقيم الغذائية على منتجات الأطعمة، عملا بنصيحة الخبراء الذين يقولون إنه لا يمكن إيجاد الحلول بمعالجة النتائج فحسب بل لابدّ من التطرق إلى الأسباب.
وإلى جانب ما سبق ليت السيطرة على فوضى الإعلانات تمتد أيضا إلى حفلات التنزيلات التي تمتلئ بها الصحف الإعلانية، حيث يلاحظ أن عشرات المحال تعلن عن تخفيضات وهمية وبنسب مئوية مبالغ فيها ولا تتفق مع المنطق الاقتصادي. صحيح أن التخفيضات تكون حقيقية في كثير من الأحيان وصحيح أن الركود يدفع أحيانا إلى التخفيضات كوسيلة لجذب العملاء، ولكن الأمر لا يكون في أحيان كثيرة سوى "فخ" لاصطياد الزبائن، بل إن بعض المحلات لديها "تخفيضات مزمنة" تعلن عنها على مدار العام من دون توقف وأيضا من دون رقابة على سباق يستهدف الفوز بأكبر نصيب من كعكة السوق الإعلاني، بينما يتحوّل الجمهور إلى ضحايا هذه الممارسات الصحية والتجارية، التي لا تتناسب مع المكانة الحضارية التي ارتقت إليها الدولة.