لا يمكن للمتابع للشأن الخليجي إلا أن يشعر بجدية العواصف المهددة التي تجتاح منطقتنا وتهدد كياناتنا ووجودنا كدول وشعوب. نحن نعلم بأننا نعيش في إقليم بالغ الأهمية وتحف به المخاطر. إقليم جيو-استراتيجي مميز يكسبه النفط والحاجة الملحة إليه من الشرق والغرب أهمية بالغة. ويضاعف تهديدنا القومي ضعف قدراتنا القُطْرية وحتى الجماعية كدول، وغياب توازن حقيقي يشكل في بعده الأهم عنصرا رادعا للدول الكبرى سواء كانت إقليمية أو غير إقليمية بالتدخل والتأثير وتهديدنا أو الوجود لحماية مصالحها وتقديم نفسها باعتبارها المنقذ والحامي لنا ولأمننا.
خلال الفترة القصيرة الماضية، اشتدت وتيرة التصعيد واقتربنا من حافة الخطر والمواجهة عبر تسخين الأوضاع على ثلاثة محاور ضاغطة تحيط بدولنا الخليجية الست. عبر ملفات تؤثر فينا، من الملف النووي الإيراني إلى الحرب النازفة والطاحنة في العراق مع انعكاساتها المدمرة. وصولا إلى الإرهاب المتطور ونقلاته النوعية وتهديده لمصدر عيشنا، ولاستقرارنا. ناهيك عن الملفات الأخرى التي تفرض نفسها على المؤتمرات واللقاءت وزيارات الملوك والرؤساء.
النزيف العراقي المستمر الدامي الذي اكتسب في الآونة الأخيرة أبعاداً خطيرة من انزلاق خطير نحو حرب طائفية مذهبية بين السنة والشيعة وبذلك نجح أعداء العراق في دق إسفين الفتنة وسعروا أوارها. حيث وصل حصاد فتنة المراقد والحسينيات وإحراق وتدنيس مئات المساجد وقتل المئات والتهجير الطائفي القسري إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ العراق الحديث، مما سيكرس مناخا طائفيا بانعكاسات خطيرة. فحسب ما تفيد دراسة مجموعة الأزمات الدولية، أن الانزلاق الطائفي العراقي نحو الحرب الطائفية ستكون له انعكاسات سلبية على الدول والمجتمعات التي تتكون من فسيفساء اجتماعية ومذهبية وهو موجود في دولنا الخليجية.
في المقابل، يجر إصرار إيران على امتلاك قدرات نووية كما تدعي لأغراض سلمية ومدنية المنطقة لوضع يقترب من حافة الهاوية في المواجهة بين إيران من جهة والاصطفاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية مع أوروبا والوكالة الدولية للطاقة الذرية من جهة أخرى. وسط تسريب سيناريوهات حافة الهاوية وتهديد بضرب منشآت إيران النووية.
أما ظاهرة الإرهاب، المتصاعدة وإسقاطاتها فإنها تزيد من خطورة استهداف المنشآت النفطية لإيقاع أكبر تدمير وخسائر تصل آلامها وأوجاعها لتشمل اقتصاديات العالم بأسره عبر ارتفاع مطرد بأسعار النفط وتدمير مصدر الرزق الأساسي للدول والشعوب في المنطقة، مما يقربنا أكثر من دائرة خطر داهم وينقل حرب الإرهاب لمستويات خطيرة ويرفع السقف والمعاناة معا.
فرضت هذه العواصف نفسها الأسبوع الماضي في لقاء وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي. حيث ناقشت تلك الملفات الشائكة إضافة لملف "حماس" والملف السوري واللبناني وقضايا استراتيجية أخرى. وهذا ما ما يعتقد أنه تم التطرق إليه في الاجتماع الوزاري لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي برئاسة دولة الإمارات في الرياض يوم الأربعاء الماضي، وما سيتم بحثه في اجتماع وزراء خارجية دول الجوار العراقي في طهران الأسبوع القادم. وبالتأكيد ستكون هذه المحاور على طاولة النقاش في القمة العربية القادمة في السودان نهاية مارس الجاري.
عواصف وأعاصير عاتية وخطيرة تعصف بنا من كل حدب وصوب ونحن لا يبدو أن لدينا خططاً دع عنك استراتيجية لمواجهتها أو التعامل معها أو حتى التدخل لاحتوائها وتدارك خطرها.