كان شتايني هوف يقف في كشك جانبي في معرض سنغافورة للطيران، ولكن طائرات التجسس التي تطير بدون طيار والتي يقوم بإنتاجها كانت تجتذب أعداداً كبيرة من زوار المعرض.
كانت المساحة المخصصة لشركته "سيمي فالي آيه في إنكوربوريشن" من أكثر المساحات استقطابا للزوار، لأنها كانت تقوم بعرض الطائرات التي يتم التحكم فيها عن بعد. ومن بين تلك الطائرات الطائرة "ريفن" التي لا يزيد عرض جناحها على خمسة أقدام ولا يتجاوز وزنها الأربعة أرطال ولكنها مزودة بكاميرا تعمل بالأشعة تحت الحمراء، ويمكنها بث صور حية من على بعد ستة أميال. ومن المعروف أن هذه الطائرة التي أحدثت الكثير من الضجة في الدوائر المتخصصة في علوم الطيران والتي لا يزيد سعرها على 35 ألف دولار، تستخدم حاليا من قبل الجيش الأميركي في العراق في مهام الاستطلاع تحديدا.
وكان "هوف" قد تحدث بالفعل مع عدد من تجار السلاح الذين كانوا يتباهون بعلاقاتهم الوثيقة مع الحكومات، ولكن أحدهم، وكان يرتدي زياً عسكرياً بلونين أحمر وأخضر، لفت انتباهي خصوصاً بعد أن راح يوجه السؤال تلو السؤال إليه عن المدى الخاص بتلك الطائرة الروبوتية والوقت الذي تستغرقه في الطيران.
في النهاية قال له "هوف" متأففاً: "معذرة يا سيدي... ولكننا لا نستطيع أن نصدِّر للصين... كما لا يمكننا أن نجيب على هذه الأسئلة"، عندئذ تراجع الضابط الصيني بسرعة عائداً إلى قاعة العرض المترامية الأطراف التي كانت تعج بالمعروضات من الدبابات والطائرات المقاتلة والصواريخ المضادة للطائرات.
ومعرض سنغافورة للطيران الذي انتهى الأحد الماضي هو واحد من أكبر أسواق الأسلحة في العالم، كما أنه من نقاط الجذب للدول التي تتطلع إلى شراء الطائرات المقاتلة الأميركية الصنع، والطائرات التي تطير بدون طيار مثل الطائرة التي سبقت الإشارة إليها، والتي تصنعها شركة AV وغير ذلك من المعدات العسكرية.
وكان كبار متعهدي الدفاع الأميركيين المتواجدين في المعرض يقومون باستضافة الجنرالات، وإجراء الاتصالات مع الدول المسجلة على قائمة البنتاجون الخاصة بالبلدان المُوافق على تصدير السلاح إليها، وكانوا يتنافسون من أجل هذا الغرض مع ممثلي شركات من فرنسا وروسيا والسويد وهي دول تسعى إلى بيع أسلحتها ومعداتها في معرض سنغافورة للطيران.
خلال الحرب الباردة، كان معرضا الطيران في باريس ولندن هما المعرضان اللذان تقوم فيهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ببيع أسلحة ومعدات بمليارات الدولارات لحلفائهما، في الوقت الذي كان فيه جواسيس الدولتين يتجولون في ساحات العرض بين العارضين. أما الآن فإن الجزء الأكبر من صفقات السلاح يتم في معرض سنغافورة للطيران حيث يقوم متعهدو الدفاع الأميركيون، سواء الكبار منهم أو الصغار، بالتركيز على البيع للدول الآسيوية للتعويض عن الانخفاض في إنفاق البنتاجون.
والشركات الأميركية المعروفة مثل، بوينج، ولوكهيد مارتن، ونورثروب جرامان كورب... هي الشركات التي تقوم بعرض أكبر كمية من الأسلحة في معرض سنغافورة، وقد قامت من أجل ذلك باستئجار الشاليهات الفاخرة، التي يجلس فيها الجنرالات والوزراء لاحتساء المشروبات، ومشاهدة العروض الجوية للأسلحة. وقد قامت شركة لوكهيد بعرض الطائرة إف- 16 المقاتلة، كما قامت شركة بوينج بعرض طائرتها المنافسة من طراز أف- 15 النفاثة التي يبلغ سعر الواحدة منها 60 مليون دولار. وفي ديسمبر الماضي، وافقت سنغافورة على شراء 20 طائرة من طراز إف- 15 من شركة بوينج، في صفقة تبلغ قيمتها الإجمالية 1,7 مليار دولار، بعد أن فضلت بوينج على شركة فرنسية منافسة. وفي هذا السياق أدلى مسؤولون في شركة بوينج بتصريحات أجمعوا فيها على أن مبيعات السلاح في آسيا هذا العام يمكن أن تتجاوز 10 مليارات دولار.
ومن المعروف أن كلا من الهند وتايلاند واليابان وتايوان وأستراليا قد قامت بزيادة إنفاقها الدفاعي، مما ساعد على إطلاق نوع من التسابق على شراء السلاح، حيث تحاول كل دولة من تلك الدول التفوق على الدول الأخرى في الحصول على أحدث وأفضل أنواع الأسلحة.
ويذكر أن عدد الشركات العالمية التي يوجد لها ممثلون في سنغافورة يبلغ في مجمله 940 شركة، وأن 35 ألفا من المهتمين بصناعات الطيران من 89 دولة -تشمل الصين- قد حضروا فعاليات المعرض الذي استمر لمدة ستة أيام.
وكان موضوع المناقشة الرئيسي خلال المعرض هو عقد شراء السلاح الذي تبلغ قيمته 8 مليارات دولار والمطروح أمام الشركات لتوريد أسلحة للهند التي تريد شراء 126 طائرة مقاتلة للحلول محل طائراتها العتيقة المتبقية من أيام الحقبة السوفيتية طراز ميج 21 النفاثة. وفي الأسابيع الأخيرة أعلنت الهند أنها قد تقوم بزيادة عدد الطائرات التي ترغب في شرائها بحيث يصل إلى 200 طائرة، وهو ما سيرفع سقف الرهانات أمام شركات السلاح خصوصا وأن هذه الصفقة -إذا ما تمت- ستكون هي الأكبر منذ عقد التسعينيات حسب أحد مسؤولي بوينج الذي يقوم بإدارة عملياتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وهناك منافسة أخرى تدور