على غرار الفيلة الضخمة التي تجوب غابات السفانا في إفريقيا الشرقية، يبدو أيضا أن حكام إفريقيا الأقوياء يحدق بهم الخطر كما لو كانوا أنواعا مهددة بالانقراض. فبينما أطيح ببعضهم عن طريق الانقلابات العسكرية، تمت إزاحة البعض الآخر عن سدة الحكم بواسطة الثورات الشعبية، أو الضغوط الدولية. وبعد رحيل الحكام الأقوياء حل مكانهم جيل جديد من الحكام الشباب ينتمي أغلبهم إلى الميلشيات السابقة التي حاربت الحكام ويعدون بإصلاح الأوضاع المأزومة. وعلى هذا النحو قدمهم زعماء الغرب، مثل بيل كلينتون وآخرون، إلى العالم على أنهم يمثلون الجيل الجديد من رجال الدولة الأفارقة المعلقة عليهم آمال عريضة لإنجاز الإصلاح السياسي والاقتصادي في بلدانهم، حيث تدفقت على المنطقة الكثير من المساعدات والاستثمارات الأجنبية. لكن الغرب الذي تحمس كثيرا لهؤلاء القادة سرعان ما مني بخيبة أمل بعد تبنيهم لنفس السلوك غير الديمقراطي الذي كان سائدا إبان الديكتاتوريات السابقة. والنتيجة أن جهود محاربة الفقر وبناء شراكة استراتيجية مع الغرب لمكافحة الإرهاب بدأت تهتز إثر التوتر الذي شاب العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة ودول إفريقيا الشرقية من جهة أخرى.
لذا لم يكن من الغريب تعرض رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي، الذي كان أحد القادة المفضلين لدى الغرب، للانتقاد بسبب قمعه لمظاهرة نظمتها المعارضة عقب انتخابات السنة الماضية قتلت خلالها الشرطة عشرات الطلبة واعتقلت الآلاف من المحتجين، بمن فيهم زعيم المعارضة المنتخب. من جانبه يتأهب الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني لتدشين عامه العشرين في الحكم، وهو الذي كان قد أعلن في السابق أن على الحاكم الإفريقي ألا يمكث أكثر من عشر سنوات في السلطة. فبتعديله للدستور ييبقى خمس سنوات إضافية على رأس السلطة عبر تجديد انتخابه في استحقاقات الأسبوع الماضي. وفي كينيا حيث وصل "ماو كيباكي" إلى السلطة بعد تعهده بالقضاء على الفساد، تعيش حكومته على وقع فضيحة مدوية ترتبط بعقود وهمية تسعى جاهدة للتغطية عليها. وكما يقول باتريك سميث، محرر دورية "أفريكا كونفيدانشال" التي تصدر من لندن، "يبدو أن الآمال المعلقة على قادة أفريقيا الجدد انحرفت عن مسارها"، فبعد أن صفق العالم للجيل الجديد من الحكام "ها هم يرجعون مرة أخرى إلى عاداتهم القديمة".
وبالطبع يستشيط القادة الأفارقة غضبا عندما تصلهم الانتقادات، مشددين على أن حكمهم لا يتسم بذات القمع والبطش اللذين كانا سائدين في عهد مانجيستو هايلي ماريام في إثيوبيا، أو في عهد عيدي أمين في أوغندا، ودانيال أراب موي في كينيا... واللذين حكموا بلديهما بقبضة من حديد تميزت بقمع المعارضة وإهدار الثروات بينما يرزح الملايين من المواطنين تحت وطأة الفقر والحرمان. وينحي القادة الجدد باللائمة على السياسات التي تتبعها المؤسسات الدولية المانحة وتسعى عبرها إلى فرض شروطها على البلدان الفقيرة. وفي هذا الصدد أكد ميليس زيناوي في حوار أجري معه أن خطأه الوحيد "رفضه الانصياع" إلى المواقف الغربية مضيفا أنه "ليس نادما على ما قام به". ويذكر أن ميليس تسلم زمام السلطة سنة 1991 عندما نجح جيشه المتمرد في الإطاحة بحكومة مانجيستو الماركسية. ونظرا للوعود التي أطلقها ميليس طيلة الفترة التي أعقبت تسلمه الحكم، لجهة تفويض السلطات وإحداث برلمان قوي وإصلاح الاقتصاد... استطاعت بلاده -وهي واحدة من أفقر الدول الإفريقية- اجتذاب مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية خلال السنة الماضية.
وبكل المقاييس كانت الانتخابات البرلمانية التي شهدتها إثيوبيا في شهر مايو الماضي حرة ونزيهة. لكن بعدما أعلن عن النتائج وتبين فوز المعارضة الساحق في العاصمة أديس أبابا، رد ميليس بقمع المتظاهرين واعتقال خصومه المعارضين، حيث سقط أكثر من ثمانين قتيلا في صدامات عنيفة مع الشرطة. وبالانتقال إلى أوغندا نجد أن وضعها لا يختلف كثيرا عما هو في إثيوبيا. إذ بعد تبوئها لمنصب الريادة على الصعيد الإفريقي باعتبارها قاطرة النهضة، وبعد إشادة الرئيس بيل كلينتون بجهود رئيسها موسيفيني في محاربة الإيدز وسعيه إلى تلميع صورة بلاده، تلاشت فجأة تلك الصورة بعد اعتقال النظام لزعيم المعارضة العائد من المنفى واتهامه بالخيانة وارتكاب جريمة اغتصاب. لذا فاليوم تواجه أوغندا التي تمثل المساعدات الخارجية نصف عائداتها، تهديدا بوقف تلك المساعدات، حيث قامت الدول الأوروبية المانحة بتقليص دعمها بنحو 50 مليون دولار بسبب نكوص حكومة موسيفيني عن المكاسب الديمقراطية التي تحققت في البلاد.
ومن جهتها أعطت كينيا مثالاً نادراً على الانتقال السلمي للسلطة في إفريقيا إلى حزب معارض تجسد في انتخابات سنة 2002، وهو ما جعل الرئيس الجديد كيباكي يحظى باستقبال جيد في زيارته لواشنطن سنة 2003. بيد أن المسؤولين الأميركيين بصدد مناقشة وقف المساعدات الإنمائية الموجهة إلى كينيا بعد استقالة أحد نشطاء محاربة الفساد البارزين (جون جيثونو) ومغادرته البلاد إلى لندن إثر