نشرت مؤخرا إحدى أكبر شركات التأمين الصحي في بريطانيا، نتائج دراسة مسحية، أظهرت وجود زيادة مطردة وواضحة، في عدد الأشخاص المصابين بالقلق والتوتر، مقارنة ببضعة أعوام مضت. واحتلت المخاوف الصحية رأس قائمة مسببات القلق والتوتر بين عينة الدراسة والبالغ عددها 1800 شخص، وخصوصا المخاوف من أمراض القلب والأمراض السرطانية، وهي المخاوف التي تفوقت على المخاوف من أنفلونزا الطيور ومن الإرهاب، في مقدار ما تسببه من قلق. وإذا ما تم تطبيق نتائج هذه الدراسة على المجتمع البريطاني ككل، فستكون النتيجة هي أن 67% من البريطانيين يعانون من التوتر المزمن، ومن بين هؤلاء يعاني 21% من درجة مرتفعة من التوتر، مما قد يستدعي زيارة الطبيب وتلقي علاج بالمهدئات. وعلى عكس الشائع بين العامة، يدل تعبير التوتر في المجال الطبي على طائفة واسعة من المثيرات الخارجية، الفسيولوجية والسيكولوجية، التي يمكنها توليد استجابات عضوية تعرف بالمنظومة العامة للتكيف. أو بمعنى آخر، فإن التوتر هو ضغوط ومؤثرات خارجية قوية، إما أن تكون نفسية أو جسدية، وتنتج عنها تغيرات وظيفية وعضوية في جسم الشخص، كمحاولة للتكيف والتأقلم مع تلك الضغوط. وتتم محاولة التكيف هذه في ثلاث مراحل أساسية: أولها مرحلة الإنذار والتي يتم فيها تحديد الضغوط والمؤثرات الخارجية، ثم مرحلة التأقلم والتي يحاول فيها الجسم التكيف مع الضغوط، ثم في النهاية مرحلة الإرهاق أو الإجهاد، وهي المرحلة التي تبدأ فيها دفاعات الجسم ومحاولاته للتأقلم في الهبوط والانهيار. وهو ما يعني أنه عند التعرض لمؤثرات خارجية قوية، يحاول الجسم في البداية التعامل معها من خلال استنفار دفاعاته النفسية والجسدية، ولكن إذا ما استمرت هذه الظروف الخارجية في توليد مقدار كبير من الضغط، تنهار حينها الدفاعات الشخصية، وينتهي الوضع بالاستسلام أو بالاكتئاب.
وبوجه عام يتم تقسيم التوتر إلى نوعين؛ إيجابي وسلبي، وكلاهما يمكن أن ينتج إما عن ظروف وأحداث سلبية أو إيجابية. ويتم تقسيم الأحداث على أنها سلبية أو إيجابية، تبعا للشخص وحسب الظروف والمعطيات. فما قد يكون حدثاً سلبيا ينتج عنه نوع من التوتر السلبي لشخص ما، يمكن أن يكون لشخص آخر حدثا إيجابيا ينتج عنه نوع من التوتر الإيجابي. والغريب أنه لا يمكن للتوتر الإيجابي أن يلغي التوتر السلبي، أو العكس. فالشخص الذي يفوز باليانصيب يوما ما، ويصله في نفس الوقت خبر وفاة عزيز، لا يتمتع بحالة من الهدوء والسكينة، بل سيتعرض إلى جرعة مضاعفة من التوتر الإيجابي والسلبي معا. ما يعني أن الصفاء أو السكينة النفسية، هي بالتحديد الحالة التي يكون فيها الشخص حرا من التوتر بنوعيه، السلبي والإيجابي.
ويؤدي التوتر الشديد أو المزمن، بشكل مباشر وغير مباشر، إلى العديد من الاضطرابات العضوية والنفسية. فالمعروف أن التوتر يزيد من إفراز هرمون الأدرينالين وهرمون الكورتيزون في الجسم، وهما الهرمونان اللذان يزيدان بدورهما من تسارع ضربات القلب، ومن معدل التنفس، ومن مستوى ضغط الدم، ويولدان نوعا من الضغط العام على أعضاء وأجهزة الجسم. ويحمل التوتر المزمن خطرا خاصا، حيث يعتبر سببا رئيسيا خلف الإصابة بأمراض القلب مثل الذبحة الصدرية، والإصابة بالسكتة الدماغية، وارتفاع ضغط الدم، وغيرها من الأمراض والعلل. فعلى صعيد الصحة العقلية مثلا، أثبتت الدراسات أن التوتر الشديد، ولفترات طويلة، يؤدي إلى الاكتئاب المزمن. وفي إحدى الدراسات، أصيب الأشخاص الخاضعون للدراسة والمعرضون للتوتر المستمر بالاكتئاب، وبمعدل إصابة يزيد على ستة أضعاف معدل الإصابة بالاكتئاب بين الأشخاص غير المعرضين للتوتر. ويمكن للتوتر أن يؤثر على القلب بشكل سلبي من خلال العديد من الطرق، مثل زيادة معدل ضربات القلب وزيادة كمية الدم التي يتم ضخها، مما يزيد من العبء على القلب. هذه الحقائق عاد ليؤكدها هذا الأسبوع، فريق من الباحثين في أحد أشهر المستشفيات في العاصمة البريطانية (University College London). حيث اقتصر الفريق في أبحاثة على الرجال الذين عانوا سابقا من ذبحة صدرية، أو من آلام حادة في الصدر بسبب التوتر الشديد. وسرعان ما اكتشف الباحثون أن التوتر لا يرفع ضغط الدم لفترة زمنية ممتدة فقط، بل يحفز أيضا الجسم على إنتاج عدد كبير من الصفائح الدموية المسؤولة عن تخثر وتجلط الدم. وبوجه عام يعتبر التوتر المزمن عاملاً ذا تأثير سلبي على معظم وظائف وأعضاء الجسم البشري. فعلى سبيل المثال، يؤثر التوتر المزمن على قدرة الجسم على الشفاء من السرطان، وعلى احتمالات الإصابة بالسكري. ويؤثر التوتر أيضا على الجهاز الهضمي، مسببا الإسهال، أو الإمساك، أو الانتفاخ والمغص، بالإضافة إلى زيادة احتمالات الإصابة بقرحة المعدة، والقولون العصبي، والتهاب القولون المزمن. كل هذه الآثار السلبية للتوتر المزمن، تجعل من شروط الحياة الصحية السليمة، ضرورة لتجنب المواقف والظروف، وحتى الوظائف التي تضع صاحبها تحت قدر من التوتر، ومن ثم تزيد من احتمالات الإصابة بالأم