كان حدسي دائما يخبرني بذلك والآن يأتي آخر استطلاع رأي أجرته "نيويورك تايمز" و"سي.بي إس نيوز" ليؤكد أن معظم الأميركيين لا يعترفون فقط بأن الإدمان على النفط أمر مضر لنا، بل أبدوا استعدادهم أيضا للموافقة على فرض ضريبة على البنزين شريطة أن يضعها أحد المسؤولين في إطارها الصحيح ويروج لها كما ينبغي. لقد أصبحت متيقنا بأن الرئيس بوش ما كان ليبني خطابه عن "حالة الاتحاد" على ضرورة وضع حد لإدماننا على النفط والانتقال إلى مستقبل نعتمد فيه على مصادر الطاقة المتجددة، لو لم تشر استطلاعات الرأي الخاصة التي أجراها إلى نفس النتائج، رغم أنه لم يقم بذلك سوى على أساس خطابي عندما أدرك أن الديمقراطيين قد يسبقونه إلى تبني خطاب مماثل.
ومن نافلة القول إن الحل الوحيد المتبقي أمامنا لقطع اعتمادنا المفرط على النفط الأجنبي هو الرفع من ضريبة البنزين التي لا تتجاوز حاليا القيمة التافهة لـ18.3 سنتا للجالون الواحد. كما أن الأميركيين لن يقلعوا عن استهلاكهم الهائل للبنزين ويتجهوا نحو السيارات المهجنة التي تعمل بالوقود المستخلص من النبات مثل الإيثانول، إلا إذا ارتفع السعر الإجمالي لجالون البنزين الواحد إلى حدود 3.50 دولار أو 4 دولارات. لكن "هذا مستحيل" سيصيح أحد مستشاري الحملة الانتخابية محتجا "إن الرفع من ضريبة البنزين يعتبر انتحارا سياسيا". كلا، لن يكون انتحارا إذا تمت صياغة المقترح بطريقة صحيحة. فقد كشفت استطلاعات الرأي أن 60% من المستجوبين، بما فيهم ثلث الجمهوريين، أعربوا عن عدم مساندتهم للأسلوب الذي يعالج به بوش أزمة الطاقة. ولم يعبر عن تأييده لها سوى 27%. بالإضافة إلى ذلك أشار استطلاع الرأي إلى أن 87% من الأميركيين يريدون من واشنطن الضغط على الشركات المختصة لإنتاج سيارات أقل استهلاكا للوقود.
وبالطبع عندما يُسأل الناس مباشرة عما إذا كانوا يؤيدون فرض ضريبة على البنزين فإن 85% تقول لا، بينما لا يوافق سوى 12% فقط. لكن عندما يتم الحديث عن الضريبة ضمن استراتيجية وطنية متكاملة تهدف إلى تحقيق الأمن الطاقي والمناخي فإن رد المستجوبين يأتي مختلفا. لذا فعندما قدمت الضريبة على أنها جزء من استراتيجية خفض اعتماد الولايات المتحدة على النفط الأجنبي فإن 55% من المستطلعة آراؤهم أيدوا الفكرة، بينما لم يعارضها سوى 37%. ونفس الشيء عندما قيل للمستجوبين أن ضريبة البنزين ستساهم في الحد من الاحترار الأرضي حيث عبر 59% عن مساندته لها، في حين قال 34% أنهم ضدها. ويأتي ذلك في وقت أصبح فيه الكثير من الأميركيين يدركون بأن مسألة الطاقة أضحت القضية الاستراتيجية الأولى في عصرنا تفوق بكثير أحداث 11 سبتمبر والحرب على الإرهاب. وبعد انجلاء هذه الحقائق يبدو أن ما ينقص هو تبني أحد قادة الأحزاب الأميركية اقتراح فرض ضريبة على البنزين وصياغتها على أنها الخطوة الاستراتيجية الأكثر أهمية التي يتعين على الولايات المتحدة القيام بها دون إبطاء. وهي الخطوة التي تعتبر الأمل الوحيد المتبقي أمام إدارة بوش لترك بصماتها على الحياة الأميركية قبل مغادرتها البيت الأبيض. كما أنها فرصة لا تعوض أمام الديمقراطيين للتغلب على خصومهم من "الجمهوريين" دون اللجوء إلى التنقيب على الفضائح الشخصية للجنة الحزب المركزية.
المشكلة أن كلا الطرفين يخشى أن يتهمه الآخر بالضعف وبالسعي إلى إثقال كاهل الأميركيين بالضرائب. لكني لو كنت مرشحا في انتخابات الكونجرس وخفت أن يتهمني خصومي بالضعف سأرد بالقول "أين هي الوطنية التي تتشدقون بها في الوقت الذي تمولون الحرب على الإرهاب في كلا الاتجاهين: اتجاه الجيش الأميركي عبر دافعي الضرائب من المواطنين واتجاه تنظيم القاعدة وإيران من خلال مشتريات الطاقة" وسأضيف أيضا "ألم تدركوا بعد أن الاقتصاد العالمي يشرع اليوم أبوابه لثلاثة مليارات لاعب جديد من الهند والصين وروسيا يقبلون على شراء السيارات والمنازل الجديدة بنهم كبير، وإذا لم نعالج إدماننا على النفط فإن عالمنا سيحتر إلى درجة يذوب فيها القطب الشمالي وتصبح كارثة مثل كاترينا مجرد فسحة قصيرة؟".
ـــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"