كانت البداية في مارس 2004 حين عقدت مكتبة الإسكندرية مؤتمر الإصلاح العربي الذي افتتحه الرئيس محمد حسني مبارك بكلمة ضافية عن أهمية الإصلاح السياسي. وحضر المؤتمر نخبة من المفكرين والمثقفين العرب الذين يمثلون مختلف الاتجاهات السياسية، بالإضافة إلى ممثلي مؤسسات المجتمع المدني في المشرق والمغرب والخليج.
كان المؤتمر حدثاً ثقافياً كبيراً. فلأول مرة في العالم العربي تطرح قضية التحول الديمقراطي في سياق حرية كاملة في التفكير والتعبير. لم يحجب رأي، ولم تصادر فكرة، وشهد المؤتمر نقداً عنيفاً لكل صور ومظاهر السلطوية العربية، سواء اتخذت شكل الاستبداد السياسي الصريح أو الكامن، أو اختفت تحت عباءة البطريركية أو الأبوية الاجتماعية والثقافية، والتي تصادر الفرد وحرياته وحقه في اتخاذ المبادرة والتعبير الطليق عن قناعاته واختياراته.
وقد صدرت عن المؤتمر "وثيقة الإسكندرية" التي تعرضت لأوجه الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وعنيت الوثيقة بأن تحدد آليات التنفيذ، وأبرزها إنشاء "منتدى الإصلاح العربي" في مقر مكتبة الإسكندرية، ليكون ساحة للحوار المفتوح أمام المثقفين العرب، وفضاء متاحاً لكل مؤسسات المجتمع المدني العربي.
وبناء على اقتراح من كاتب المقال، تقرر تأسيس "مرصد للإصلاح العربي" يقوم دوريا بقياس التقدم في الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، بالإضافة إلى رصد التحولات في المجتمع المدني العربي.
وقد كلفت من مكتبة الإسكندرية بتأسيس المرصد ورئاسة هيئته العلمية التي تشكلت من مجموعة مختارة من علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة.
وحين اجتمعنا لأول مرة أحسسنا جميعاً أننا أمام تحد نظري ومنهجي كبير. فبالرغم من تنوع خبراتنا العلمية التي اكتسبناها من العمل العلمي في فرق بحثية شتى فإنه كانت أمامنا مشكلة رئيسية. ذلك أن المرصد سيحاول الإلمام بمفردات وتفاصيل اثنتين وعشرين دولة عربية، تتفاوت تفاوتات ضخمة في أنظمتها السياسية وجوانبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
والسؤال الذي طرحناه نظرياً ومنهجياً هو: هل يمكن صياغة مؤشرات عربية عامة، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، رغم وجود خصوصيات عربية محلية واضحة؟ وكيف يمكن الجمع بين صيغة المؤشرات العربية العامة، وهي ضرورية لأغراض المقارنة، والمؤشرات العربية الخاصة بكل قطر والتي تقيس التقدم النسبي، وضعاً في الاعتبار تفاوت درجات النضج السياسي والاجتماعي بين مجتمع عربي وآخر؟
وقد قدمنا حصيلة جهد فريق المرصد والذي تمثل في إجابات تفصيلية عن هذه الأسئلة في تقرير علمي شامل صدر عن مكتبة الإسكندرية، وذلك بعنوان "مرصد الإصلاح العربي الإشكاليات والمؤشرات، دراسة استطلاعية" وذلك في يناير 2005. وقد اقترحنا في هذا التقرير مجموعة من المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لقياس جوانب الإصلاح العربي المتعددة.
تتمثل المؤشرات السياسية فيما يلي:
الدستور الديمقراطي من زاوية وجوده أو عدمه أو تعديل الدساتير الموجودة لتصبح أكثر ديمقراطية، ووضع المؤسسات التشريعية من حيث وجود برلمانات منتخبة انتخاباً حراً مباشراً، ووضع الهيئات القضائية والتركيز على استقلالية القضاء والهيئة القضائية استقلالاً كاملاً عن الحكومة، وسيادة القانون باعتبارها المحدد الأساسي لعمل الهيئة القضائية، ووضع الأحزاب السياسية مع التركيز على التعددية الحزبية التنافسية، وموضع منظمات المجتمع المدني من حيث حقها في أن تتكون دون قيود من السلطات وغياب التدخل الحكومي في عملها، ووضع الصحافة والإعلام من حيث الحرية في التعبير وتداول المعلومات واستقلالية الصحافة عن السيطرة الحكومية وعدم وجود رقابة على الصحافة. ووضع الحقوق والحريات العامة مع التركيز على حرية التعبير والاعتقاد والتفكير، وحرية التنظيم والانضمام إلى الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والحق في المواطنة المتساوية.
كما ركز شق الإصلاح السياسي على مؤشرات الشفافية، والرقابة والمحاسبة والمساءلة، والتزامن بين الليبرالية الاقتصادية والليبرالية السياسية والمساواة والمشاركة السياسية، ومؤشرات ترشيد السلطة ومؤشرات النظام السياسي.
أما المؤشرات الاقتصادية فركزت على مؤشرات أداء الاقتصادات العربية، وقررت أن النمو الاقتصادي العربي مازال تابعاً للنفط والطقس، وتم التركيز على معدلات التضخم والبطالة. وعلى مؤشر الاندماج في الاقتصاد العالمي. وفي هذا المجال تم التركيز على الحصة العربية من تدفقات الاستثمارات المباشرة في العالم، والعلاقات التجارية بين العرب والعالم والسياحة بين العرب والعالم.
أما جانب الإصلاح الاجتماعي فركز على خمسة مؤشرات أساسية هي مؤشر التهميش الاجتماعي، ومؤشر نوعية الحياة، ومؤشر الاستقرار الاجتماعي، ومؤشر أوضاع الفئات الاجتماعية، ومؤشر تمكين المرأة العربية.
وقد جابه المرصد تحديات حقيقية في صياغة مؤشرات لقياس الحالة الثقافية. ولدينا في هذا المجال مؤشر التجانس الثقافي