إذا كان هناك من تطور حصل مؤخراً وهز إسرائيل أكثر من صعود حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إلى السلطة في الانتخابات الفلسطينية الشهر الماضي، فإنه يتمثل في تعزيز علاقة الصداقة، على ما يبدو، بين الحركة وإيران. فقد جاءت الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس المكتب السياسي "لحماس" خالد مشعل إلى الجمهورية الإسلامية الأسبوع المنصرم لتدق ناقوس الخطر داخل الدولة العبرية وتنعكس بشكل واضح على عناوين الصحافة الإسرائيلية مثيرة نقاشاً محتدما بين المسؤولين الإسرائيليين. لكن سرعان ما برز رأي مغاير تماماً صدر عن الاستخبارات الإسرائيلية، وبعض المحللين والدبلوماسيين الغربيين يفيد بأن الحديث عن نشوء علاقة وثيقة محتملة بين "حماس" وطهران سابق لأوانه ومبالغ فيه. ويستدل هؤلاء المحللون على ذلك بموقف "حماس" التقليدي الرافض لأي تأثير خارجي والمتمسك بأجندة وطنية، فضلاً عن الحساسية التي لا يمكن إنكارها بين قادة إيران الشيعة ومسؤولي "حماس" السنة، يضاف إلى ذلك رغبة الحركة في تعزيز علاقاتها مع الحكومات العربية المعتدلة مثل الأردن ومصر استعداداً لتسلم السلطة.
وقد نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية زيارة خالد مشعل إلى إيران من خلال الصفحات الأولى للجرائد التي أظهرت رئيس المكتب السياسي "لحماس" وهو يصافح بحميمية ظاهرة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي دعا في وقت سابق إلى محو إسرائيل من الخريطة. وقد صور المسؤولون الإسرائيليون هذا التحالف الناشئ بين إيران، العدو اللدود، وبين "حماس" التي مازالت تتعهد في ميثاقها بتدمير إسرائيل على أنه تهديد خطير يطل برأسه على الدولة اليهودية. "يوفال شتينتز"، رئيس لجنة العلاقات الخارجية والدفاع التي تتمتع بنفوذ قوي داخل البرلمان الإسرائيلي يعبر عن هذا التوجه المتخوف من التحالف بين إيران و"حماس" بقوله "يتعين على السياسة الإسرائيلية في المرحلة المقبلة أن تركز على منع قيام حكومة فلسطينية خاضعة للنفوذ الإيراني لا تبعد عن القدس وتل أبيب سوى مرمى حجر".
لكن هناك بعض المراقبين داخل إسرائيل يقللون من خطر التحالف ولا يعتبرونه مصدراً للتهديد. فبالنسبة لـ"أموس جيلبوا"، مسؤول سابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أدلى بتعليق إلى صحيفة "معاريف" يؤكد فيه أن إيران لا تحتل ضمن صورة التقارب بينها وبين "حماس" سوى "دور الفزاعة". ويعتبر دبلوماسي غربي آخر أن المحادثات التي جمعت بين مسؤولي "حماس" والقيادة الإيرانية على مستوى رفيع إنما يقصد بها "الضغط على أعصاب العالم" في وقت يتصاعد فيه التوتر حول الملف النووي الإيراني وتطلعاتها لحيازة أسلحة الدمار الشامل. ويضيف الدبلوماسي الغربي الذي طلب عدم ذكر اسمه بأن "التلويح بإقامة حلف مع الحركة هو من النوع الذي لا يكلف إيران الشيء الكثير إذ يمكن اعتبار الزيارة مجرد لقاء صداقة مع ممثلين لحكومة إقليمية قادمة". وخلال زيارة مشعل إلى طهران نُقل عن المسؤولين الإيرانيين استعدادهم لتقديم مساعدات مالية لحماس للتغلب على القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية بتقليص المعونات الموجهة إلى السلطة الفلسطينية، رغم أنه لم يتم بعد تحديد تفاصيل المساهمة الإيرانية. وفي حال مضت الولايات المتحدة والدول الأوروبية قدما في منع الإعانات المالية من الوصول إلى السلطة الفلسطينية مع استثناء ما هو متعلق بالمساعدات الإنسانية، فإن "حماس" ستواجه صعوبات كبيرة، لا سيما وأن نصف موازنة السلطة الفلسطينية تأتي كما هو معلوم من الدعم المالي الأجنبي.
وحتى في السابق لم يكن الدعم الإيراني لحركة "حماس" كبيراً، حيث يتسرب معظمه عبر سوريا ويخصص في مجمله لتمويل العمليات الانتحارية حسب ما أفادت الاستخبارات الإسرائيلية. ويذكر أن "حماس" وافقت قبل أكثر من سنة على وقف عملياتها عندما دخلت السياسة الفلسطينية على المستوى المحلي حيث حققت نتائج جيدة في الانتخابات البلدية استعدادا لمشاركتها في الانتخابات التشريعية. إلى ذلك يبقى المستفيد الأول من الدعم الإيراني هو "حزب الله" اللبناني، إلى جانب حركة "الجهاد" الفلسطينية التي كانت المسؤولة عن تنفيذ العشرات من العمليات داخل إسرائيل خلال العام الماضي. ولئن كانت طهران مستعدة لتقديم الدعم المالي لحركة "حماس" كما أعلنت ذلك، فإنها بالتأكيد لها مطالبها الخاصة. وفي هذا الصدد يقول شاؤول ميشال، أستاذ في جامعة تل أبيب والمتخصص في الحركات الإسلامية: "لا أعتقد أن إيران ستتحرك لملء الفراغ المالي لدى حركة "حماس"، وحتى إذا ما قدمت بعض المساعدة، فإنها ستكون مشروطة ببعض الأمور ما يجعل تكلفتها بالنسبة للحركة أكبر من قيمة المساعدة نفسها".
ورغم أن علاقة "حماس" بإيران تعود إلى بداية التسعينيات، فإن حركة المقاومة الفلسطينية أبدت على الدوام رفضها القاطع الدخول تحت عباءة نظام شيعي. "أنات كورتز"، باحث من مركز "جافي" للدراسات الاستراتيجية، يؤكد ذلك الطرح معتبرا "أن حماس هي قبل كل شيء حركة وطنية وفلسطينية قبل أن تكون إسلا