في الوقت الذي يحتدم فيه النقاش الدولي حول مستقبل سجن غوانتانامو الذي تتولى إدارته الولايات المتحدة الأميركية, تواصل القوات الأميركية توسيعها سراً لمعتقل أميركي آخر في أفغانستان, حيث يستمر حبس نحو 500 من المشتبه في علاقتهم بالإرهاب, في ظروف بالغة السوء وإلى مدة غير معلومة, دون أن توجه أي اتهامات قانونية محددة إليهم. ويتعامل مسؤولو البنتاجون في واشنطن مع سجن "باجرام" الأفغاني المقام في القاعدة الجوية الأميركية الواقعة على بعد 40 ميلاً شمالي العاصمة كابول, باعتباره محطة حبس عبوري, يتم فيه التحري الأولي مع المتهمين. ويقول هؤلاء إن معظم السجناء هناك, من المواطنين الأفغان الذين ربما يتم إطلاق سراحهم في نهاية الأمر أو أن تتم إحالتهم إلى سجن آخر يكتمل بناؤه بمساعدة أميركية. ولكن الحقيقة هي أن بعض معتقلي سجن باجرام, أمضوا مدداً من الحبس تتراوح ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام. والاختلاف الرئيسي بينهم وبين معتقلي سجن غوانتانامو هو حرمانهم التام من الاتصال بأي محام ومن سماع الادعاءات والتهم المنسوبة إليهم, وأن الإجراء الوحيد الذي خضعوا له هو النظر الأولي في حالاتهم بصفتهم "أعداء مقاتلين" على حد تصريح المسؤولين العسكريين.
أما سراً, فقد أقر بعض مسؤولي الإدارة بأن أوضاع معتقلي سجن باجرام الحالية, صارت اليوم أكثر قرباً من الانتهاك القانوني الذي دفع المحكمة العليا الأميركية, إلى إصدار قرار قضائي تاريخي في يونيو من عام 2004, قضت فيه بحق سجناء معتقل غوانتانامو بالتقاضي عن حبسهم واعتقالهم في المحاكم الأميركية. وفي حين يسمح للصحفيين ولأعضاء الكونجرس وغيرهم بزيارات محدودة ومشددة الإجراءات إلى سجن غوانتانامو, نجد أن سجن باجرام قد حافظ على انغلاقه وسريته المطلقة منذ افتتاحه رسمياً لاستقبال المعتقلين في عام 2002. فباستثناء ممثلي الصليب الأحمر الدولي, لا يسمح لأحد أياً كان بزيارة السجن, في حين يمتنع المسؤولون عن إدارته تماماً, عن إفشاء أسماء المعتقلين والسجناء فيه. والشيء نفسه ينطبق على التعليمات والإجراءات الأمنية الصارمة التي تمنع تصوير السجن حتى وإن كان ذلك على مسافة بعيدة منه.
ومن خلال القصص التي رواها عنه بعض سجنائه السابقين, والأحاديث الخاصة لبعض المسؤولين والجنود العاملين في السجن, ترتسم صورة أكثر قتامة وقسوة مما هي عليه صورة سجن غوانتانامو. فهناك يجري حبس المعتقلين بالعشرات في أقفاص وزنازين كبيرة شيدت من السلك الشائك, بينما ينام السجناء على البلاط مستخدمين لحافات الرغوة, ويستعملون حتى قبل عام مضى من الآن, أواني بلاستيكية يتبرزون ويتبولون فيها. وقبل الترميمات الحديثة التي جرت على السجن مؤخراً, فإنهم بالكاد يرون ضوء الشمس, باستثناء خروجهم لمدة قصيرة جداً من اليوم, إلى ساحة للرياضة والتدريبات الجسمانية.
إلى ذلك صرح مسؤول من وزارة الدفاع بأن سجن باجرام لم يقدر له أن يكون مؤسسة عقابية طويلة المدى, إلا أنها تحولت إلى مؤسسة من هذا النوع بالفعل, ودون أن يتوفر لها المال اللازم ولا الإمكانيات التي تجعل منها مؤسسة بتلك الصفة. وبما أن هذا المسؤول قد تمكن من زيارة السجن مؤخراً, فقد أضاف إلى تصريحه إفادة قاطعة ومؤكدة, عن أن باجرام أكثر سوءاً مقارنة بغوانتانامو. ولكن معتقلين سابقين في السجن قالوا: إن الترميمات التي طرأت على السجن مؤخراً, ساعدت في تحسين الأوضاع والحياة كثيراً, بينما أكدت جماعات ومنظمات حقوق الإنسان أن الانتهاكات الممارسة بحق المعتقلين قد انخفضت كثيراً منذ عام 2003. وعلى رغم هذه التأكيدات, فقد رفض تشارلس دي. ستيمثون– مستشار أول بالبنتاجون لشؤون المعتقلين- إجراء أي حوار صحفي معه عن سجن باجرام. كما رفض الحوار نفسه مسؤولون بالقيادة المركزية الأميركية, وهي الجهة التي تتولى الإشراف على كل ما يرتبط بالعمليات العسكرية الأميركية في أفغانستان.
أما الكولونيل جيمس آر. يونتس الناطق العسكري في أفغانستان, فرفض هو الآخر الإدلاء بأي تصريحات حول أوضاع سجناء باجرام, عدا حديثه المتكرر عن أن حدود مسؤوليته هي الالتزام بالمعاملة الإنسانية للمعتقلين, وتوفير الرعاية الصحية لهم, بما يتفق والمبادئ التي نصت عليها معاهدة جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب. غير أن من رأي مسؤولين عسكريين وسجناء سابقين, أن تزايد أعداد المعتقلين في سجن باجرام– مع ملاحظة ارتفاع عددهم من نحو 100 معتقل في بداية عام 2004, إلى حوالي 600 معتقل في بعض الأحيان من العام الماضي- يعود إلى القرار الذي اتخذته إدارة بوش بوقف تدفق السجناء الجدد إلى سجن غوانتانامو, بعد أن قضت المحكمة العليا الأميركية مؤخراً, بأنه يجوز لسجناء المعتقل الكوبي, التمتع ببعض الحقوق القانونية الأساسية, وبإجراءات التقاضي السارية في مثل هذه الحالات. ولكن ما بقي مجهولاً حتى الآن, ما إذا كانت الحقوق ذاتها تسري على سجناء باجرام أم لا؟ فهذا هو ما لم يتم اختباره بعد في أي من المحاكم الأميركية.
وإلى أن تقول المحاكم كلمتها, سيستم