فيما يرى البعض أن تخصيص يوم الأول من مارس من كل عام في دول مجلس التعاون ليكون "يوم حماية المستهلك الخليجي" هو إعلان رسمي عن انتصار التجار وفشل الحكومات الخليجية في وضع حد لجشعهم الذي يشعل نار الأسعار، فإن البعض الآخر يظن أن هذا اليوم هو بداية صحيحة لعلاقة التاجر بالمستهلك, بشرط أن يتفاعل بإيجابية وبالتالي فإنه سيجبر التاجر على التراجع.
عجيبة هذه القضية! أقصد هنا علاقة المستهلك بالتاجر، بالنسبة لنا نحن مواطني دول المجلس، ومنها بالطبع دولة الإمارات، فعلاوة على أن إعلان يوم للمستهلك جاء متأخراً كثيراً عن باقي دول العالم، فقد تم اختيار هذا اليوم بعد أسبوع فقط من انتهاء فعاليات معرض في دبي يعتبره المتخصصون أحد أهم المعارض في العالم وهو "معرض الخليج للأغذية وتجهيزات الفنادق" (جلف فود). وسجل هذا المعرض أهم نقطة له، من خلال إظهار أن سكان دول مجلس التعاون ومنهم الإماراتيون ينفقون ما يقارب 10 مليارات دولار سنويا على تناول الطعام خارج منازلهم فقط، مما يشير إلى أن الرقم سيكبر إذا انتقلنا إلى تناول الطعام داخل المنازل. وحسب الإحصائيات نفسها -والصادرة عن البنك الدولي- فقد بلغت قيمة الأطعمة المستوردة إلى دول الخليج في عام 2004 أزيد من 12 مليار دولار، وهو ما يشير إلى إمكانية ارتفاع ذلك الرقم خلال العام الماضي والعام الحالي باعتبار أن المؤشر البياني لارتفاع الأسعار في اتجاه تصاعدي. وبقراءة تلك الأرقام فإنها توحي بأن المستهلكين الخليجيين -بمن فيهم أصحاب الدخول المحدودة- لديهم ميل واضح للاستهلاك بل لديهم القدرة على التكيف النفسي والمالي مع كل الأنماط والمستجدات الاستهلاكية، بل أثبت ذلك المستهلك في كل المواقف السابقة في علاقته مع التاجر بأنه "ظاهرة صوتية"، فكل مشكلة تنتهي بمنافسة استهلاكية لا تكل ولا تمل بين المستهلكين أنفسهم، وهذا يتيح الفرصة للتجار للاستغلال والتحايل عليه وهو مما يعني الحاجة إلى توعية وليس تحديد يوم ليمر كأي يوم، دون وقفة.
نحن في حاجة ملحة لأن نعيد النظر في سلوكنا تجاه ارتفاع الأسعار وانتشار الغش التجاري، حيث لابد من التفكير بوعي ويقظة وأن نقيم تلك السلوكيات الاستهلاكية على أساس أننا نحن –المستهلكون- من يتحكم في السوق وأن نعمل بالتالي على الحد من الأنماط والميول الاستهلاكية التي أبرزت سلبيتنا في مقابل جشع التجار حتى لا تبدو علاقتنا مع التجار وكأنها استجابة مكتومة لضغوط القوي على الضعيف وأنها نزول على حكم الظروف القاهرة.
في الأساس، المستهلك قوي وإقرار يوم "1 مارس" وقفة وطنية سنوية للمستهلك الخليجي، يحمل إيحاءات كثيرة ومعان لها تأثيرها، وإذا كان هذا التحرك جاء بعد أن "أُستهلك" المواطن الخليجي وبعد أن تبددت قواه وأعلن استسلامه للبائع الذي أفرغ جيوبه وفرض عليه مزاجه التجاري ولم يترك له فسحة كي ينفّس عما يعانيه تجاه ممارساته وتجاه سلبية وزارات الاقتصاد وجمعيات حماية المستهلك وغرف التجارة والبلديات في دول التعاون، فإنه من غير المستغرب أن نشهد تراجعا من الموردين في معركة ضد ارتفاع الأسعار التي تعودنا أن تكون النتيجة النهائية أن رأي الوكيل أو مستورد السلعة هو الفيصل دائما، كما حدث مع "باتيل" صاحب أرز "السنارة".
ما يثير العجب عندي، أن المستهلك الخليجي هو الوحيد في العالم تقريبا الذي يخالف النظريات الاقتصادية المتعارف عليها في شيئين: الأول أنه لم يعد هو المتحكم في السوق خلافا لما يعتقده منظرو الاقتصاد، والثاني أن إشباع الحاجات ليس هو الهدف بل الشراء هو هدف بحد ذاته، خاصة في المواد الغذائية، مما يستدعي وقفة تأمل خلال الاحتفال بيوم المستهلك الخليجي...!