ترى ماذا يحدث لو أن 50% من القيادات الإدارية في أي وزارة أو مؤسسة حكومية غابوا عن مكاتبهم خلال ساعات العمل الرسمي؟ هذا التساؤل وغيره قفز إلى الذهن تلقائياً عند متابعة أخبار الجولة المفاجئة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في بعض الدوائر الحكومية بإمارة أم القيوين، حيث كشفت الجولة غياب عدد من المسؤولين. ولعلّ أول ما يتبادر إلى الذهن أن النتيجة المباشرة لغياب المديرين هي غياب الانضباط وعدم انتظام سير العمل اليومي، وكذلك غياب الديناميكية والمقدرة على حل المشكلات والعثرات الطارئة أثناء ساعات الدوام، ويصبح التسيّب والفوضى هما عنوان الأداء، أما إحدى أبرز دلالات هذا الغياب فتكمن في أن بعض مؤسساتنا تعمل وفق نظام "تواكلي" بعيد كل البعد عن خطط الدولة وأهدافها التنموية التي تنشد الوصول إلى بيئات عمل متطوّرة تمتلك مؤهلات الانخراط بقوة في سباق تنافسية مجتمع المعرفة. والأمر الآخر أن هذا "الترهل" الإداري يكشف عمق الإشكاليات التي يواجهها الجمهور في التعامل مع المؤسسات الحكومية، ويؤكد أيضا إيجابية الخطوة المتعلقة باستحداث وزارة للتطوير ضمن التشكيل الحكومي الجديد، ويؤكد كذلك حاجتنا إلى أنظمة إدارة متطوّرة قائمة على معايير محددة للجودة والكفاءة في الأداء بحيث تعمل كل جهة على تحديد المعايير التفصيلية الدقيقة للجودة وفقاً لطبيعة عملها وبما يضمن في النهاية ضبط إيقاع العمل والسيطرة على الفوضى الإدارية القائمة في كثير من الوحدات الإدارية على مستوى الدولة، والارتقاء بمعدلات الأداء الوظيفي، بحيث يمكن من خلال ذلك كله اكتشاف "البطالة المقنّعة" في الوزارات والهيئات.
الزيارات المفاجئة لكبار المسؤولين أمر مهم وحيوي وأداة فاعلة من أدوات الرقابة اليومية، فهي "رسالة" جدّية لمرحلة عمل تتطلّب قدراً هائلاً من الديناميكية، وهي رسالة ينبغي استيعابها من قبل المسؤولين في مختلف مستويات الهرم الوظيفي كل في موقعه، بحيث تصبح الرقابة الميدانية هي الأداة الفاعلة للقضاء على التسيّب ومحاصرة غياب القيادات الوسطى أحيانا و"تسرّب" الموظفين أحيانا أخرى، بدلا من الاكتفاء بتلقي التقارير الوردية الحالمة التي لا تكف عن ترديد مقولة "كله تمام" سيئة الذكر في واقعنا الإداري المعاصر، لأنه في أحيان كثيرة تكون هذه التقارير والمقولات ليست سوى نوع من تزييف الواقع وتقنين الفوضى.
بعض الخبراء يرون أن التستّر على جوانب القصور والإهمال هي مظهر من مظاهر ما يوصف بالفساد المتحوّل في عصر العولمة، حيث لم يعد توصيف الفساد محصوراً في ممارساته التقليدية البدائية مثل تلقي الرشى أو استغلال الوظيفة بشكل دارج، ولكنه بات منهجيا بل ومستدام النمو، والحل يتأتى عبر تحرّك كبار المسؤولين للمتابعة والرقابة اليومية المتواصلة وتشخيص المشكلات وطرح الحلول، وعبر يقظة الضمائر وصحوة العقول والقلوب من أجل مستقبل وطن يغدق على الجميع من دون حدود، وهذا هو منطق الأمور، وليس "درسا" في التربية الوطنية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية