يعد الفلسطينيون من أكثر المجتمعات اعتماداً على المساعدات الخارجية في العالم، وبالتالي فإن تهديد الولايات المتحدة بقطع المساعدات عن فلسطين عقب انتخاب نحو 3.6 مليون فلسطيني الشهر الماضي حركة "حماس" لتولي شؤون الحكومة أمر ينذر بالكارثة، ولاسيما أن الاتحاد الأوروبي يبحث حاليا إمكانية اتخاذ إجراء مماثل. أما إسرائيل، فأعلنت أنها لن تقدم الأموال المحصلة من الضرائب والمقدرة بـ55 مليون دولار شهرياً والمستحقة للسلطة الفلسطينية.
وصرح"دوف ويسغلاس"، مستشار رئيس الوزراء "إيهود أولمرت"، بأن "الفكرة تتمثل في إخضاع الفلسطينيين، ولكن لا لأن يموتوا جوعا"، وهو التصريح الذي أثار ردود فعل في كل من إسرائيل ودول أخرى.
وحسب تقرير حديث لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإن التضييق المالي هدفه زعزعة استقرار الحكومة الفلسطينية الجديدة التي ستقودها "حماس" بهدف إفشالها، وبالتالي إجراء انتخابات جديدة.
وفي مؤتمر صحافي عقد بالقاهرة الأسبوع المنصرم، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس "لا يمكن للمرء أن يضع رِجْلاً في معسكر الإرهاب ورِجْلاً أخرى في معسكر السياسة"، مضيفة أنه "لابد من التخلي عن الإرهاب". وقد أدلت المسؤولة الأميركية بهذا التصريح خلال جولة قامت بها في منطقة الشرق الأوسط بهدف حث بعض دولها على قطع مساعداتها لفلسطين –على الأقل إلى أن تعترف "حماس" بإسرائيل، وتنهي هجماتها "الإرهابية"، وتقبل بالاتفاقيات السابقة بين إسرائيل والفلسطينيين.
والواقع أنه لا يختلف اثنان على أن قطع المساعدات الأميركية سيؤدي إلى تدهور الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث وفرت الولايات المتحدة نحو ثلث المساعدات التي صرفت للسلطة الفلسطينية والمشاريع الفلسطينية العام الماضي، والتي بلغت نحو 1.1 مليار دولار، أي ما يعادل 300 دولار لكل رجل وامرأة وطفل.
وبالنظر إلى متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج القومي الفلسطيني الذي بلغ 1327 دولار العام الماضي، فإن أي نقص يطال المساعدات الخارجية وأموال الضرائب ستترتب عليه عواقب وخيمة. ذلك أن دخل الفلسطينيين، وعلى غرار دخل دول العالم الثالث، لا يتعدى بضعة دولارات في اليوم للفرد الواحد، في حين بلغ نصيب الفرد من الناتج القومي في إسرائيل نحو 22200 دولار العام الماضي. هذا وتحصل إسرائيل على نحو 420 دولارا للفرد كل سنة بفضل المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة، وبعضها يعد نتيجة لاتفاق "كامب ديفيد" الموقع سنة 1979 بين مصر وإسرائيل. ورغم أن تلك المساعدات هي أكبر مما يحصل عليه الفلسطينيون بالنسبة للفرد الواحد، فإن إسرائيل لا تعتمد عليها كثيراً.
ويرى "سكوت ليزينسكي"، الباحث بمعهد الولايات المتحدة للسلام بأنه "من الواضح أن ثمة هامشاً للمناورة"، مشككاً في أن يصل قطع المساعدات إلى درجة "المجاعة". ولعل أحد أسباب ذلك يعزى إلى احتمال أن تتواصل المساعدات الإنسانية، كما أن العديد من الجهات المانحة قد تقاوم الضغوط الأميركية. ثم إن إيران التي ظهرت على الصورة الأسبوع الماضي تعهدت بمنح مساعدات جديدة للفلسطينيين.
إلا أن ذلك قد لا يكون كافياً لمنع انتشار سوء التغذية في أوساط الفلسطينيين، حيث كشف تقرير للأمم المتحدة أنجز منذ سنتين عن انتشار سوء التغذية بين الفلسطينيين في ذروة الانتفاضة عندما كانت الحركة والتجارة تخضعان للتضييقات الشديدة من قبل إسرائيل في محاولة لوقف أعمال العنف.
ويشار إلى أن المساعدات المقدمة للفلسطينيين تأتي من مصادر متعددة، حيث منح البنك الدولي السلطة الفلسطينية سنة 2004 مثلاً 125 مليون دولار. ويقدم تقرير جديد للكونغرس الأميركي قائمة تضم تسعة مصادر أخرى للمساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية، في مقدمتها الاتحاد الأوروبي بـ105 ملايين دولار. كما منحت السعودية 76 مليون دولار، ومنحت الولايات المتحدة 20 مليون دولار، وهكذا، مروراً بليبيا وبريطانيا والنرويج واليابان وكندا ومصر. بل إن المزيد من المساعدات يأتي من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الخليج العربي، والتي تخصص لتمويل مشاريع تنموية خاصة (300 مليون دولار و345 مليون دولار ونحو 200 مليون دولار على التوالي).
وقد أعلن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أن مصر لن تقطع المساعدات لأنه من المهم "تلبية الحاجيات الإنسانية للشعب الفلسطيني". ومن جهتها، أعلنت السعودية أنها لن توقف مساعداتها. كما أنه من المرجح ألا تقطع جهات مانحة أخرى مساعداتها للفلسطينيين. إلا أنه في حال حصول الفلسطينيين على دولة مستقلة، فإن استقلاليتها الاقتصادية تظل سؤالاً مفتوحاً. ولكن إلى أن يحدث ذلك، فإن اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 تنص على أن القوة المحتلة هي المسؤولة عن رخاء من توجد أراضيهم تحت الاحتلال.
ويرى تقرير للبنك الدولي صدر الشهر الجاري أن الناتج الداخلي الخام في الضفة الغربية وقطاع غزة قد نما بما بين 8 و9 في المئة العام الماضي، مواصلاً انتعاشاً طفيفاً بدأ منذ سنتين. والفضل في ذلك يعو