التغيير حالة حضارية، والاعتزاز بمكافأة الآخرين وجه حضاري أيضاً مهم في عمليات التطوير والبناء، والأهم هو شفافية الأداء حين يكافئ المدير الياباني موظفيه بمنحهم فرصة اعتلاء منصبه بذات الجدارة والقدرة، ولعل هذا التفويض هو مقياس نجاح أي مسؤول حين يكون هناك من يخوله ليتحمل مسؤولياته هو شخصياً.
والمشكلة ليست في تولي عدة مناصب، إنما في الإصرار على الإحساس بالتفرد، والإصرار أيضاً على أن أحداً لا يمكنه شغل كرسي بذات الكفاءة والإمكانيات.
هذا المسؤول لو كان في اليابان، لأقيم عليه حد الفضيحة والفشل حين يعجز عن تأهيل من هم في كفاءة عطائه.
الأدهى أيضاً هو تكرار الأشخاص في أكثر من منصب، وكأنها رقعة شطرنجية لا تحتمل أكثر من أفراد، مربعاتها ذات اللونين الجامدين، فالوجوه في أكثر من مجلس إدارة، وفي أكثر من منصب، وفي عدد من الشركات ذات المصالح المتضادة.
ليس تشكيكاً في النزاهة، لكنه على ما يبدو فطرة الإنسان في التملك والخوف من فقد أضواء وألق، وهو أيضاً فكر أناني لا يستوعب صالح الوطن أولاً وأخيراً.
الغريب في الأمر أيضاً ليس في تكرار ذات الوجوه، إنما أيضاً في تاريخ هذه الوجوه المهني، فالسيرة الذاتية تكاد تخلو من علامات تفرد أو تميز أو خبرة يعتد بها، وكلها خبرات جديدة لا تعكس كفاءة ذات مردود آني.
وليس إجحافاً حين يعتلي منصباً موظف بسيط كل إمكاناته كانت علاقاته الاجتماعية ليس أقل ولا أكثر، ترى هل صارت العلاقات الاجتماعية كافية لنضع ثقة في شخص ليمنح مسؤوليات ذات تبعات صعبة؟
وكأن الأمر برمته عبارة عن صداقات، أنت صديقي إذاً أنت جدير بهذا الموقع، أين ذهب التعليم والخبرة والنجاح الشخصي والقدرات الذهنية؟ كلها قبض ريح. ويبقى فقط النجاح في الوصول إلى علاقات فردية تستلزم بعدها ضبط مواعيد جدولك اليومي على حسب الشركة المنوط بها.
وعلى الضفة الأخرى، هناك من يرى ما لا يراه الآخرون، فهذا الصنف يضع نصب عينيه أولاً صالح الوطن، وبعد ذلك الثقة التي خولها له المسؤول ليختار من يشاء لأماكن محددة، فيكون الاختيار قائماً على اعتبارات عديدة أولها: نجاح الشخص في موقعه الحالي وقدرته على النجاح في أي مكان آخر، ما دام حريصاً على أن يكون في الإطار العام للدولة.
ولعل أمثال هؤلاء القلة، هم وحدهم الذين يقومون بتسيير السفينة لشواطئها الذهبية، وهم وحدهم السبب المباشر لبقاء أولئك المقتاتين على فن علاقاتهم العامة، لأن الركب كلٌ متكامل وهم جهة الإنقاذ الأجدر بالبقاء.
هذه الأحجار تحتاج إلى تغيير من الداخل، تغيير عقلية البقاء لمجرد البقاء والانتفاع المادي الصرف، فالوقت المتسارع نحو عولمة شرسة لن تترك الفرص سانحة في الغد مثلما هي اليوم، ووجه الدولة الجميل لا يجب أن يلقي عليه الفشل ظلالاً من عتمة وتراجع.
استقراء الضمير والمستقبل والواقع أمر ملح، وهو المطلب الوحيد الذي بإمكانه تغيير نحو الأفضل والأصلح دائماً.