منذ أغسطس 2005 والولايات المتحدة تفعل كل شيء من أجل "التصعيد" مع إيران دون أن ندري أو حتى تدري الولايات المتحدة نفسها إلى أين سينتهي هذا التصعيد... والتصريحات الأخيرة لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس حول إيران واعتبارها "مركزا للتطرف والإرهاب" تكشف السياسة الاميركية تجاه إيران في هذه الأزمة.
كثير من التحليلات الغربية تؤكد أن لإسرائيل مصلحة مباشرة في ألا يكون في المنطقة أي مشروع نووي غير مشروعها فكما فعلت بالبرنامج العراقي ها هي اليوم وبيد الغرب تعمل على اقتلاع البرنامج الإيراني... وهؤلاء يرون أن إسرائيل أنها نجحت في إثارة الرأي العام العالمي والقوى العظمى ضد برنامج إيران بل ربما "اقترحت" أدوات مواجهة إيران وتركت الغرب ليقوم بالمهمة بدلاً عنها.
ومن أميركا دائما نسمع من يرددون أن الأسلحة النووية يجب أن تكون في أيدٍ أمينة وهم يرون أن هذه الأيدي هي إسرائيل فقط... وهذا من وجهة نظر الأميركيين فقط فبالنسبة لدول المنطقة وشعوبها فإنها ترى أن أية يد تحمل سلاحاً نووياً هي ليست يداً أمينة وليست يداً نظيفة وبالتالي يجب ألا تبقى هذه الأسلحة في المنطقة.
الإمارات ودول المنطقة طالبت مراراً وتكراراً بإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل ومن أية قوة نووية وهذا الطلب يسري على جميع الدول بما فيها إيران وقبلها إسرائيل وأية دولة تفكر في هذا المشروع.. وهذا الطلب يفترض ألا يقتصر على الشرق الأوسط فقط بل على العالم الذي يفترض أن يتم إخلاؤه من أي سلاح نووي أو قوة نووية تهدد الدول الأخرى وتزعزع السلام والاستقرار العالمي.
في ظل الأزمة المتصاعدة بين الغرب وإيران فإن من الاحتمالات المتوقعة لها هو أن تتم ضربات جوية خاطفة لتدمير المواقع النووية الإيرانية وذلك إما عن طريق الولايات المتحدة أو عن طريق إسرائيل مباشرة لأن كل المؤشرات تؤكد أن قيام حرب تقليدية تكرر سيناريو العراق أمر مستبعد تماما.
ومن الاحتمالات أيضا أن يتم فرض عقوبات اقتصادية "غير تقليدية" في ظل التوازنات الحالية في سوق النفط ومكانة إيران في هذه السوق الأمر الذي سيدفع بدول العالم للبحث عن شكل آخر للعقوبات الاقتصادية التي قد تفرضها على إيران في حال استمرار "عصيانها" للعالم.
وواضح للجميع أن العالم صار اليوم أمام مفترق طرق في الأزمة النووية الإيرانية ولم يعد هناك مجال للتراجع عن السير في الطريق الذي اختاره في هذه الأزمة منذ البداية وحتى الآن إما أن يتخذ العالم موقفا قويا ويجبر إيران على الاستغناء عن برنامجها النووي وهذا يعني احتمال حدوث مواجهة عسكرية... وإما أن يصمت العالم عن إيران ولا يتخذ أي إجراء ضدها وهذا يعني أن إيران ستستمر في برنامجها النووي وستعتبر صمت العالم عنها قبولا بما تقوم به... وكلا الأمرين لا يرضي الغرب.
وبشكل عام لم يعد أمام العالم اليوم إلا أربعة خيارات تجاه البرنامج النووي الإيراني.. أولها هو تدمير هذا البرنامج بالقوة وتحمل كل نتائج هذا القرار... ثانيها تأخير البرنامج وذلك عن طريق الدبلوماسية أو القوة... ثالثها تغيير القيادة الإيرانية... أما الخيار الأخير والأصعب فهو قبول البرنامج النووي الإيراني...
وفي تعامل العالم مع هذه الأزمة من المهم أن يدرك أن هناك فئة معينة في إيران ما تزال تعتقد بأن "إيران ضحية العالم ولما يحدث فيه" وهذا الاعتقاد ربما يجعل هذه الفئة مستعدة للمواجهة مهما كان الثمن بل هناك فئة تريد باطنياً أن تكون هناك مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة والغرب... بالإضافة إلى أن في إيران فئة لديها اعتقاد راسخ بأنه لم يعد هناك مفر من المواجهة العسكرية لذا فإننا نسمع الخطاب المتشدد أحيانا وأحيان أخرى تهديدات مباشرة.
والأخطر من ذلك هو ما يحاول البعض –وخصوصا في الغرب- ترويجه وهو أن الحلول الدبلوماسية مع إيران قد استنفدت ولم يعد هناك مجال لها... والحقيقة أن هذه الحلول ما تزال متاحة وإن لم تنجح فقد يكون ذلك بسبب قصور في الجهود الدبلوماسية التي بذلت لحل هذه الأزمة إلا أنها ما تزال موجودة... وإذا حصلت إيران على ضمانات حقيقية فإن الحل الدبلوماسي قد يكون ممكنا
–وهذا ما يؤكد عليه دبلوماسيون خليجيون في إيران- وفي كل الحالات فإن من الممكن الوصول إلى حل سلمي ربما يكون أقربها وأكثرها منطقية هو الاقتراح الروسي.
من المهم أن نؤكد أن أي تطور دراماتيكي في الأزمة الإيرانية سيؤدي إلى تأثير مباشر على دول الخليج العربي وعلى الشرق الأوسط بشكل عام... فاندلاع حرب أو تنفيذ ضربات جوية ضد إيران ربما سيسفر من وجهة نظر البعض عن انتعاش الإرهاب وتوفير مناخ خصب لتجنيد إرهابيين جدد ووضع المنطقة على فوهة بركان كدنا أن نخمدها... كما أن استمرار هذه الأزمة يعني ظهور سباق تسلح جديد في المنطقة في وقت صارت فيه هذه الدول ترغب في السير في مشاريع التنمية الأخرى... أما التأثير الاقتصادي والتجاري فسيكون مباشرا ومؤثرا وبطريقة يمكن وصفها بأنها "مرعبة"... فضلا عن الآثار البيئية ال