ليس فينا من العقلاء من يرى في نشر أفكار الدمار والتخريب وسيلة لإيصال رأيه. فكما لدينا حمقى لا يؤمنون بالحوار والعقل كأداة للتفاهم في حالة الاختلاف، فلدينا كذلك أعداد مضاعفة من العقلاء ممن يرفضون السلوك الأحمق ولا يرون فيه إلا أداة لغرس أفكار الكراهية بين الشعوب. الحمقى ليسوا فقط من أبناء جلدتنا وإنما نجدهم في جميع المعتقدات ومن الخطأ لوم المسلمين لتصرفات الجهلاء منهم، فالإسلام أكبر من ذلك وروحه لا تتلاقى مع ما في أذهان الحمقى.
إنني شخصيا وإن كنت لا ألتقي مع أطروحات البعض من الإخوة في الحركات السياسية الإسلامية، إلا أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال الموافقة على استباحة الدين الإسلامي وتعريضه للتجريح، فما بالك عندما يصل الأمر إلى الاستهزاء بنبي الله محمد بن عبدالله صلوات الله عليه وسلامه. فالموقف بكل تأكيد يختلف ويتطلب منا إظهار رفض لأي استغلال سياسي لمتطلبات الدفاع عن رسول الأمة، وإنه ليس من العقل أن نفتش في الدفاتر القديمة وأن نبحث في المواقف التي تفرقنا بقدر ما نحن ملزمون بمسؤولية أخلاقية في إظهار عدم الرضا عمن يسيء لدين الإسلام الذي يعتنقه مئات الملايين من البشر في أرجاء العالم.
لدينا الكثير من الوسائل الحضارية التي علينا أن نفكر في استخدامها للتعبير عن استيائنا مما نشر في الصحافة الأجنبية. فعلى سبيل المثال لو قام بعض من المسلمين بإرسال برقيات احتجاج للصحف التي أساءت إلى نبي الله محمد صلاة الله عليه وسلامه، لأدرك الكثيرون من القائمين على هذه الصحف أن لهذا الدين أنصاره في كل أركان العالم. قد تكون المقاطعة للبضائع الدانمركية مقبولة وجائزة، إلا أن ضمان الاستمرارية في ذلك الموقف أمر مشكوك فيه، حيث اعتدنا على اتخاذ القرارات السريعة والعاطفية مما يجعلنا عرضه للاهتزاز أمام الآخرين.
الدول الإسلامية تختلف في سياساتها وليس هناك انسجام في السياسات بينها مما عرضها ويعرضها للتفكك ولا أعتقد أنها تملك مقومات المخاطبة الحضارية في توصيل رسائلها للعالم. الأزمة التي نعاني منها تتجسد في تأسيس وسائل مخاطبة حضارية في كسب الرأي العام العالمي لصالح قضايانا. فالعجز فينا عن تدبير أمورنا مع العالم ولا يمكننا أن نصحح أفكار الآخرين إذا لم نبادر إلى فهم ميكانيكية التواصل مع الآخرين.
الإعلام الغربي وخصوصا صناعة السينما مازالت حبيسة النمطية التقليدية ضد العرب والمسلمين ومازالت تنتج البرامج والأفلام المحرضة ضد الشخصية العربية أو المسلمة. فالفيلم الأخير الذي بث في أميركا "سريانا" يعبر عن النمطية البغيضة التي مازالت تبثها وسائل الإعلام الغربية ضد المسلمين والعرب. "سريانا" مثله مثل غيره من الأفلام الكثيرة التي تظهر الشخصية العربية الإسلامية اللامبالية؛ الشخصية التي لا هم لها سوى تبذير الأموال والجري وراء النساء!
لا أرى أن اللوم يجب أن يوجه للعرب أو للمسلمين وحدهم بقدر ما يجب أن يوجه أيضا لباقي الأطراف في خلق عقلية التحريض والكراهية ضد الآخر. فكما لدينا شخصية بن لادن، الشخصية التي أساءت للإسلام وباعدت بيننا وبين الآخر، فكذلك للغرب أيضا شخصيات مريضة لا ترى العالم إلا من زاوية غربية متعصبة. العنصرية وعدم التسامح بدآ يستفحلان في أوروبا بعد انتهاء الحرب الباردة، وبدأت الأنظار تتجه للمهاجرين وخصوصا المسلمين منهم باعتبارهم قنابل موقوتة قد تنفجر في عقر أوروبا. فالمسلمون يتنامون في أوروبا ويتوقع أن يصل عددهم في العقدين القادمين إلى ما يقرب من 65 مليون نسمة مما يدعو الأوروبيين إلى التفكير جديا في كيفية إدماجهم وليس عزلهم وتهميشهم.