في آخر تطورات نزاعاتها الحامية مع الولايات المتحدة الأميركية, أعلنت الحكومة الفنزويلية من طرف واحد, قراراً بخفض رحلات شركات الطيران الأميركية, القادمة والصادرة منها, اعتباراً من أول شهر مارس المقبل. وجاء ذلك القرار رداً على تراجع واشنطن عن تنفيذ قرار يقضي برفع القيود المفروضة على خطوط الطيران الفنزويلية, لدواع وأسباب أمنية كما تقول واشنطن. ومما لا شك فيه أن هذا القرار سيؤثر سلباً على شركات الطيران الأميركية, خاصة وأن هذه الخطوط تسير ثماني رحلات إلى الولايات المتحدة الأميركية في اليوم الواحد, في حالات ومواسم الذروة. كما يتوقع لها أن تؤثر سلباً أيضاً على كل من شركتي "كونتينتال" و"دلتا" الأميركيتين, اللتين توجها خدماتهما إلى كل من نيووارك وهيوستن وأتلانتا. ويشمل القرار نفسه خفض رحلات وخدمات الشحن الجوي من وإلى فنزويلا.
ففي بيان صدر للمرة الأولى عبر الصحف ووسائل الإعلام الفنزويلية يوم الجمعة الماضي, أعلن "المعهد القومي للطيران المدني" عن هذه التخفيضات, إثر فشل كل الجهود والمساعي الرامية إلى التوصل إلى حل وتسوية مع المسؤولين الأميركيين. وعليه فإن المعهد لم يجد بداً من خفض رحلات الطيران من وإلى الولايات المتحدة الأميركية. وفي معرض انتقاده لفرض واشنطن قيوداً من جانبها على عدد الطائرات والرحلات الفنزويلية المتجهة إلى مطاراتها, قال البيان إن معدلات السلامة في طائراتها, تتفق وتلك المعمول بها دولياً في كافة خطوط الطيران العالمية المستخدمة للمطارات الأميركية.إلى ذلك فقد دعمت شركة "إيروبوستال" التي تقدم خدماتها إلى ميامي, القرار القومي الذي اتخذه المعهد.
غير أن القرار لا تقف نتائجه وتأثيراته عند حدود خطوط الطيران والملاحة الجوية وحدهما, إنما تمتد لتشمل التأثير السلبي على علاقة الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز بإدارة نظيره بوش المتوترة أصلاً. فكثيراً ما اتهم شافيز تلك الإدارة بتدبير محاولات عديدة لاغتياله, إلى جانب اتهامها بغزو بلاده الغنية بالنفط. وفي إطار التوترات المستمرة ذاتها, بادرت فنزويلا خلال شهر فبراير الجاري, إلى طرد الملحق العسكري الأميركي من العاصمة كاراكاس, متهمة إياه بالتجسس عليها. ورداً على تلك الخطوة, سارعت واشنطن من جانبها إلى طرد مسؤول فنزويلي رفيع المستوى هي الأخرى.
تعليقاً على قرار "كاركاس" بخفض رحلات الطيران الأميركية, قال جي. آدم إريل المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية, إنه وفيما لو مضت الحكومة الفنزويلية عملياً في تنفيذ قرارها الأخير, فإنها ستخرق بذلك اتفاقية يمتد عمرها إلى 53 عاماً بين البلدين, تختص بتنظيم حركة المواصلات بينهما. وأضاف المتحدث قائلاً إن واشنطن تبذل مساعي الآن لإقناع المسؤولين في كاراكاس بضرورة احترام تلك الاتفاقية والتقيد بها, خاصة وأن القرار الصادر عنهم جاء أحادياً وغير مبرر ومن دون سابق إنذار للطرف الآخر من الاتفاقية. وتقول الولايات المتحدة من جانبها إن "إدارة الطيران الفيدرالي" قد عمدت إلى خفض الرحلات الفنزويلية منذ عام 1995, لأسباب تتعلق بالأمن والسلامة. وقالت إن لهذه الإجراءات معايير سلامة ينص عليها القانون الفيدرالي, حرصاً على تقليل حالات تحطم الطائرات, نتيجة لبؤس خدمات الصيانة في بعض خطوط الطيران الأجنبية.
إلا إن من رأي مايلز فريشيت– وهو دبلوماسي أميركي سابق شديد الانتقاد لسياسات إدارة بوش إزاء فنزويلا- أن قرار الحكومة الفنزويلية الأخير, جاء رداً سياسياً على سياسات إدارة بوش المعادية لها. وربما نجد لهذا التفسير ما يسنده في لغة البيان الصادر عن "المعهد القومي للطيران المدني" الذي أعلن قرار حكومة كاراكاس لأول مرة. فقد حوت صيغة القرار تعابير سياسية واضحة مثل "إن فنزويلا دولة حرة ومستقلة" و"إننا إذ نسير على خطى الزعيم سيمون بوليفار"– وهو بطل حركة الاستقلال الوطني الشهير في القرن التاسع عشر, فضلاً عن كونه الزعيم الروحي للرئيس الحالي هوجو شافيز- "فإنه لا بد لنا من التمسك والدفاع عن سيادتنا الوطنية". وفي هذه اللغة بالطبع ما يخرج بعيداً عن حدود المواصلات ولغة الملاحة الجوية, ليعبر عن مواقف سياسية وطنية مباشرة.
ومن رأي الدبلوماسي السابق فريشيت إن ما أرادت كاراكاس قوله لواشنطن "إننا سنجعل شركات طيرانكم تدفع الثمن, وسوف نضغط عليكم حتى تغيروا مواقفكم وترفعوا قيود طيرانكم المفروضة علينا". غير أن من تقديرات المتحدث أن أسلوب الضغط هذا على واشنطن لن يثمر شيئاً. كما يضيف فريتشيت قائلاً إن الحقيقة التي لا مراء ولا مزايدة فيها هي اشتهار الخطوط الجوية الفنزويلية بسوء سمعتها, سواء كان ذلك في الولايات المتحدة الأميركية أم في غيرها.
وعلى الرغم من أن "المعهد القومي للطيران المدني "الفنزويلي لم يذكر أسماء الشركات الأميركية ولا خطوط الطيران والخدمة التي سوف تتأثر بالقرار, فإن "روبرتو بوليدو" رئيس اتحاد شركات الطيران الفنزويلية, قال في حوار صحفي هاتفي أجري معه, إن القرار يشمل تعليق رحلات كل من شركتي "دلتا" و"