إذا كانت هناك دروس عملية يفترض أن نستوعبها من الأزمة التي مرت بها دول عديدة من العالم عقب تفشي فيروس "أنفلونزا الطيور" بها، فهي حالة الرعب التي بلغت حدّ الـ "فوبيا" في كثير من الدول التي تعرّضت بشكل لم يكن مفاجئا -نظريا على الأقل- لإصابات بالفيروس في مزارع الطيور. حالة الخوف والهلع هذه لم تفرّق بين أحاسيس الناس في فرنسا ونظرائهم في مصر، فالخوف كان سيد الموقف في جميع الأحوال، ولم تفلح تدخّلات الساسة حتى لو كانوا من العيار الثقيل في الحدّ من رعب اللحظات الأولى، كما زال مفعول رسائل الطمأنة التي بثتها حملات الدعاية المسبقة بمجرد الإعلان عن اكتشاف أول حالة إصابة بين الطيور. اللافت أن وسائل الإعلام لم تنج من النقد على خلفية دورها الاستباقي في نشر الوعي، ففي بعض الدول اتهمت وسائل الإعلام بالإثارة والتضخيم والتهويل بحيث تسبّبت في إيجاد حالة شعبية عامة من التحفّز والقلق والرعب الذي انفجر بمجرد الإعلان رسميا عن اكتشاف الحالات الأولى للإصابة، وفي أحيان أخرى اتهمت وسائل الإعلام بعدم نشر الوعي الصحي الكافي الذي يمكّن الناس من التعامل مع الخطر ووضع الأمور في نصابها الحقيقي.
وللتعرّف على الحقيقة لا بدّ أولا من الاعتراف بصعوبة التقاط الخيط الرفيع بين التهوين والتهويل، ناهيك عن صعوبة حفاظ كثير من وسائل الإعلام على حدود المسار بين هذين الخيطين الدقيقين، بدليل أن بعض وسائل الإعلام نشرت رسوما كاريكاتيرية ساخرة بغرض التخفيف من وقع الحدث فكانت النتيجة أن تلك الرسوم أتت بردود فعل سلبية معاكسة وسبّبت الكثير من الخوف والهلع، وللخروج من هكذا مأزق ينبغي الاعتراف بأن الخوف شعور فطري تلقائي يصعب التحكّم في مؤشراته ومعدلاته التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالخبرات التراكمية للأفراد ومستويات الوعي والقناعات والظروف البيئية المحيطة بل أيضا بالحالة المزاجية للفرد لحظة الاشتباك مع الحدث، ولذا فإن من أصعب الأمور التعامل مع أحاسيس ملايين البشر الذين يتفاوتون في مقدار استشعارهم للخطر ويختلفون أيضا في ردود الأفعال والوعي الثقافي وغير ذلك من فروقات فردية هائلة.
ما ينبغي أن نستنتجه مما سبق أن خلايا إدارة الأزمة المعنية بالتعامل مع خطر "أنفلونزا الطيور" تحوّلت عقب اكتشاف وجود الفيروس إلى خلايا إطفائية للتعامل مع تفشي الرعب ومكافحة الذعر بين الناس، ما يؤثر بالتبعية في معالجة المشكلة الحقيقية إعلاميا وصحيا، ويضاعف المهام الملقاة على المسؤولين، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة حالة رعب عام تهدّد بشلل الحياة، وأن عليهم التعاطي مع الآلاف من ردود الأفعال والاستنتاجات الخاطئة وأيضا الشائعات التي ترتفع أسهمها في بورصات التداول بشكل هائل.
التفاعلات المصاحبة لظهور "أنفلونزا الطيور" في مختلف الدول جديرة بالدراسة والبحث، ليس فقط من قبل اللجنة الوطنية المعنية بمواجهة هذا الخطر الصحي، ولكن أيضا من قبل المتخصّصين والباحثين جميعهم، لأنها تقدّم دراسة حالة حيّة وواقعية في إدارة أزمة صحية على هذا المستوى من الخطر، وتقدم أيضا فرصا نادرة للمقارنة بين أنماط إدارة الأزمات، في ظل تشابه الظروف والمتغيّرات والمؤثرات الرئيسية.