شهدنا خلال الأسبوع الماضي ما يشبه حملة مسعورة يقفز فيها السيناتورات وأعضاء الكونغرس وكذلك حكام الولايات فوق بعضهم بعضاً من أجل انتقاد "صفقة موانئ دبي" أو الإمارات العربية المتحدة أو إدارة الرئيس بوش. ويزعم المنتقدون أنهم إنما يفعلون ذلك باسم الأمن القومي. والحال أن ما يحدث هنا ليس سوى مزايدات سياسية وهجوم غير مسؤول ينم عن قصور في الفهم يستهدف دولة كانت دائماً حليفاً قوياً للولايات المتحدة.
والواقع أن ثمة ثلاثة عوامل وراء هذه الجلبة، فالسنة سنة انتخابات، والشارع الأميركي لديه قلق دائم حيال الأمن القومي، كما أن الأمر يتعلق ببلد عربي. ثم إن المسؤولين المنتخبين يعملون على تصيد مخاوف الجمهور عبر استغلالهم "بعبعا" عربياً، ولذلك فاللغة التي استعملوها مخزية، وغير مسؤولة، وخطأ في خطأ.
ولكن يبدو أن كل شيء جائز في السياسة في سنة الانتخابات. ولأن الأمر يتعلق ببلد عربي، يفترض بعض أعضاء الكونغرس أنه لن يتم استدعاؤهم من أجل محاسبتهم على افتراء الكذب. ذلك أن التشهير بما هو عربي يظل من آخر أشكال التعصب العرقي المقبولة في أميركا. ونتيجة لهذه العقلية، يتم نعت دولة الإمارات، التي تعد واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في الحرب على الإرهاب – وبلد التزم بمبادراتنا الرامية إلى محاربة الإرهاب- بأوصاف سيئة.
والواقع أن الناس في الشرق الأوسط في حيرة من أمرهم، فإذا كانت دولة الإمارات التي لم تتردد في دعم الولايات المتحدة تعامل بهذا التعنت، فإن البعض يتساءل "ما جدوى أن يكون المرء صديقاً إذن للولايات المتحدة؟". إنه مبعث سخرية وقلق في آن واحد أنه منذ أسبوع واحد فقط قامت المسؤولة الأميركية المكلفة بالدبلوماسية العامة "كارين هيوز" بزيارة دولة الإمارات العربية المتحدة في إطار الجهود الهادفة إلى تلميع صورة الولايات المتحدة. وهذا الأسبوع يبدأ المفاوضون الإماراتيون والأميركيون جولة أخرى من المحادثات التجارية في أفق التوصل إلى اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين. وبالتالي فلابد أن السيدة "هيوز" تشعر بالرغبة في حزم حقائبها والعودة إلى تكساس. أما في حال نجاح هذه الحملة المناوئة لدولة الإمارات، فيمكن القول إنه لن تكون ثمة حملة للدبلوماسية العامة يمكنها جبر الضرر، ذلك أن رد فعل العرب، وعلى غرار جميع الناس، لا يتأثر بما تقوله عن نفسك، ولكن بالطريقة التي تعاملهم بها.
وعليه فإن ما يكال حالياً من انتقادات للعرب لا يعدو في الواقع كونه مجرد مزايدات سياسية في سنة انتخابية يشعر فيها "الديمقراطيون" بأن بوش بات ضعيفاً، كما يشعر "الجمهوريون" فيها بالضعف، وهو ما دفعهم إلى الانسياق وراء الجوقة. والواقع أنه لو أن الأمر لم يكن جاداً وخطيراً لكان مضحكاً، وقد سبق لنا أن رأينا مشاهد مماثلة فيما قبل، حيث أعضاء الكونغرس يتعثرون فوق بعضهم بعضا، معرضين أنفسهم لخطر الإصابة في طريقهم إلى الميكروفون، همهم الظهور بمظهر الغاضب الساخط ضماناً لظهورهم في نشرات الأخبار المسائية. أما الحقائق، فلا تهم في هذه اللعبة، بل المهم هو تمرير خطاباتهم وتكثيف التهويل والمبالغات.
ولعل أكثر ما يقلق في هذا كله هو أن الموضوع المشروع والمتمثل في أمن الموانئ قد ضاع وسط هذه الغوغاء، فلو أن الكونغرس كان يرغب حقا في فتح نقاش حول أمن الموانئ وثغرات النظام الحالي، لتحدث عن الزيادة في ميزانية توظيف المزيد من موظفي الجمارك، وتعزيز قوات خفر السواحل، وتوفير تجهيزات إضافية لفحص المزيد من الحاويات التي تدخل بلادنا، وذلك ما نحتاجه.
والواقع أن أيا من هذه المواضيع لن تتأثر سواء سلباً أو إيجاباً بالصفقة التي توجد قيد البحث، فبغض النظر عن الشركة التي تمتلك حق إدارة موانئنا، فإن المسائل الأمنية تظل من اختصاص وزارة الأمن الداخلي. ولكن بدلاً من النقاش الحقيقي، يتم البحث عن كبش الفداء، وبدلا من تعزيز أمننا، يعمل السياسيون على تكريس عزلتنا في العالم وإلحاق الضرر بعلاقاتنا مع حليف مهم في الشرق الأوسط. عليهم أن يشعروا بالخجل، وهم لا يدينون بالاعتذار لدولة الإمارات فقط، ولكن للشعب الأميركي أيضاً.