منذ أيام تصدّت الجهات الرسمية المعنية في الإمارات لشائعة تردّدت وراجت حول وجود عصابة تدّعي تلقيح الناس بأمصال مضادة لـ"إنفلونزا الطيور"، وتقوم بحقن الناس بمواد مخدّرة، وهذه النوعية من الشائعات هي نموذج لما يمكن أن يواجهه أي مجتمع في ظروف معيّنة مثل الخوف من تفشي فيروس "إنفلونزا الطيور"، وهي أيضا مشابهة للشائعات التي تجتاح بعض الدول العربية التي سجلت لديها حالات إصابة بالفيروس، حتى أن مصر -على سبيل المثال- بادرت إلى إنشاء مرصد لتسجيل الشائعات يوميا للمبادرة إلى التعامل معها، وسجل المرصد ظهور نحو 270 شائعة خلال يومين فقط، كان أشدها خطرا وتأثيرا تلك التي تحدثت عن تلوث مياه الشرب بفيروس "إنفلونزا الطيور".
ونظرياً، تعرف الشائعة بأنها ترويج لخبر مختلق لا أساس له من الواقع، أو تعمّد المبالغة أو التهويل أو التشويه في سرد خبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة، أو إضافة معلومة كاذبة أو مشوّهة لخبر معظمه صحيح، أو حتى تفسير خبر صحيح والتعليق عليه بأسلوب مغاير للواقع والحقيقة بهدف التأثير في الرأي العام تحقيقا لأهداف معيّنة، وتشير سيكولوجية الشائعات إلى أن عدد الشائعات يتغيّر حسب أهمية موضوع الحدث ومقدار الغموض المحيط بالحدث، وقد أثبتت العديد من التجارب أن تكرار سماع الشائعة يعزز فرص تصديقها وتمريرها بين قطاع أكبر من الجمهور، ولكن لحسن الحظ فإن كشف الحقائق يؤدي إلى وأد الشائعة مهما كانت معدلات ترددها، فالشائعة تتراجع وتتقوّض فرص تصديقها عندما تسلّط الأضواء على المعلومات الغامضة وتتكرس الشفافية وتتعزز الثقة في أداء الأجهزة الرسمية وتتنامى معدلات الثقة في الأداء وجدية إدارة الأزمات.
وبالتأكيد فإن أداء الأجهزة الرسمية ليس وحده المسؤول عن انتشار الشائعات، فهناك أيضا سوء استخدام تكنولوجيا الاتصالات في ترويج الشائعات على اعتبار أن انتشار الهواتف و"الإنترنت" قد أسهم بشكل ملحوظ في ترويج الشائعات وتوسيع نطاق تردّدها جغرافيا بين شريحة عريضة من الناس، وهناك أيضا علاقة طردية بين معدلات انتشار الشائعات في مجتمع ما ومستوى الوعي الثقافي الذي يجعل الأفراد قابلين للتأثر بالشائعات وتصديقها ونقلها. كما يسهم في ذلك أيضا عدم وجود مرجعية رسمية واضحة للتثبت من معلومة ما يؤخّر بالتبعية أهمية الدور المفترض للإعلام في التصدّي للشائعات في مهدها، ولكن -للأسف- فإن بعض وسائل الإعلام تسقط أحيانا في فخ الشائعات حين تردّد أخبارا وتنشر تقارير من نوعية "يقال" و"يتردد"، وحين تنسب الشائعات والأقوال مجهولة المصدر إلى مصادر يقال عبثا إنها رفضت الإفصاح عن اسمها أو هويتها!!
أخطر ما في الشائعات أن يتورّط بعض الأشخاص في تأليفها وترويجها لمصلحة ما ولعلّ ما يحدث في أسواق الأسهم هو خير مثال على ذلك. أخطر ما يقوله الخبراء عن الشائعات أن الجمهور يكون مهيأ بدرجات عالية لتصديقها في حال التعرّض لأزمات خطيرة، وأن الميل لتقبّل الشائعات يزداد بازدياد مستوى خطورة الأزمة وتأخّر التعامل معها رسميا، وهذا هو ما ينبغي أن ننتبه إليه جميعا، خصوصا في ظل سباق التنافس بين الفضائيات على بث الأخبار من دون التثبت من صدقيتها في بعض الأحيان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية