كشف تحقيق داخلي أجرته الأمم المتحدة للوحدة المسؤولة عن عمليات حفظ السلام الدولي, عن وجود أدلة كثيرة على سوء الإدارة, بل وربما وقوع حالات تزوير فيها, قد يحال بسببها ثمانية من المسؤولين إلى التحقيق, وفقاً لتأكيدات بعض مسؤولي المنظمة والوثائق ذات الصلة بالتحقيق. وتوصل محققو المنظمة إلى الكشف عن ممارسات إهدار مالي واسع النطاق, وعن مبالغات واضحة في الأسعار وغيرها مما يثير الشبهات حول احتمال تواطؤ بعض موظفي ومسؤولي المنظمة, مع الجهات التي تم التعاقد معها في عدد من برامج عمليات حفظ السلام. جاء ذلك في تقرير سري وزعته المنظمة على عدد من الحكومات يوم الاثنين الماضي.
فعلى سبيل المثال, أنفق المسؤلوون عن عمليات حفظ السلام في تيمور الشرقية, نحو 10.4 مليون دولار لاستئجار طائرة عمودية, كان ممكناً استئجارها بمبلغ لا يزيد على 1.6 مليون دولار. أما في الكونغو, فلجأ المسؤلون لشراء سبع حظائر طائرات لم تستخدم قط, مع العلم أن تكلفة شرائها بلغت 2.4 مليون دولار. إلى ذلك كشف التقرير نفسه عن إنفاق ما يزيد على 65 مليون دولار على وقود لم تكن ثمة حاجة إليه لمهمات متفرقة في كل من السودان وهاييتي. وذكر التقرير أيضاً أن التحقيقات تجري الآن للكشف عما إذا كان بعض مسؤولي المنظمة قد تواطؤا مع أحد مورديها لإبرام عقد خاص بتوريد وقود بلغت قيمته 85.9 مليون دولار في السودان أم لا؟ وعلى حد قول التقرير, فقد أدى إخفاق الأمم المتحدة في فرض معايير أساسية لمثل هذه التعاقدات, إلى ترسيخ "ثقافة الحصانة" وعدم المساءلة المالية فيما يتصل بالإنفاق داخل الهيئة. هذا وقد خلص التقرير المذكور إلى الكشف عن عمليات تزوير بلغ إجمالي تكلفتها نحو 193 مليون دولار, أي ما يعادل نحو 20 في المئة من جملة المليار دولار التي تنفقها المنظمة الدولية على هذه البرامج, وفقاً لعمليات التدقيق المالي التي خضعت لها مصاريف المنظمة وحساباتها مؤخراً.
إلى ذلك صرح كريستوفر بيرنهام مساعد الأمين العام للمنظمة في الشؤون الإدارية, للصحفيين قائلاً يوم الاثنين الماضي, إنه لم يعلم بعد مدى التزوير والفساد المرتبطين بالعقود المذكورة مع الموردين والمقاولين, إلا أن المؤكد هو توفر أدلة وافرة ودامغة على حدوثهما. ومضى المسؤول الدولي– الذي كان يعمل سابقاً ضمن فريق إدارة بوش- أبعد من غيره في وصف حالة الفساد التي تشهدها برامج المنظمة الدولية. لكن وعلى أية حال, فإن القرار الخاص بوقف المسؤولين الثمانية عن العمل إلى حين انتهاء التحقيق معهم– بمن فيهم أندرو توه الذي أشرف مؤخراً على وحدة إمدادات المنظمة, وكذلك كريستيان سوندرز مدير الوحدة نفسها- لم يتوفر بعد من الأدلة المطلوبة ما يكفي لاتخاذه. ذلك هو ما قاله بيرنهام, مضيفاً إن الاثنين الأخيرين بالذات, أنكرا قيامهما بأي عمل من شأنه تعريضهما للمساءلة والتحقيق.
وتأتي هذه الأحداث في ظل ظروف بدأت فيها المنظمة الدولية للتو, تجاوز الفضيحة المالية التي لحقت بها جراء اتهامها بإساءة التصرف في 64 مليار دولار تعود إلى صفقات، في إطار برنامج "النفط مقابل الغذاء"، كانت قد أبرمت مع نظام صدام حسين قبل شن الغزو الأميركي الأخير على بلاده. وليست الفضائح المالية وحدها هي التي بدأت تتعافى منها المنظمة, إنما تضاف إليها سلسلة الفضائح الجنسية المنسوبة إلى ممارسات قوات حفظ السلام, في عدد من مناطق النزاع وفي دول توجد بها هذه القوات.
وعلى صعيد آخر ينشط فريق مستقل من المحققين الأميركيين في إجراء تحقيقات بشأن التجاوزات المرتبطة بتعاقدات الأمم المتحدة. من ذلك على سبيل المثال, اتهم الادعاء الخاص بالجزء الجنوبي من ولاية نيويورك في شهر أغسطس من العام الماضي, ألكساندر ياكوفليف –المسؤول هناك عن إمدادات ومقاولات الأمم المتحدة- بتقاضي مئات الآلاف من الدولارات في شكل رشا قدمتها إليه شركات متعاملة مع الأمم المتحدة. والجدير بالذكر أن ياكوفليف أقر بذنبه في ثلاثة من الاتهامات الموجهة إليه, واعترف بدوره في حالات التزوير التي حدثت فيها, إلى جانب وعده بالتعاون مع التحقيقات الجارية حول تلك الاتهامات. أما جون بولتون –سفير الولايات المتحدة الأميركية لدى الأمم المتحدة- فقد صرح من جانبه قائلاً إن مثل هذه الفضائح لن تدفع بلاده إلى الانسحاب السريع من مهام حفظ السلام الدولي, غير أنه أكد أنها تحث أميركا على الإلحاح على إحداث تغييرات إدارية هيكلية أساسية داخل المنظمة الدولية.
كما تأتي نتائج التحقيقات المذكورة آنفاً، والتي نشر عنها تقرير موجز يوم الاثنين الماضي, في وقت تزداد فيه عمليات حفظ السلام الدولي التي تضطلع بها المنظمة اتساعاً. فهناك ما يزيد على 70 ألفاً من جنودها وشرطتها الدولية, موزعون في مهام وعمليات لحفظ السلام في نحو 18 دولة مختلفة من شتى أنحاء العالم. وهاهي المنظمة تتأهب اليوم لنشر قوات جديدة في إقليم دارفور السوداني, علاوة على الطلب الذي تقدمت به مؤخراً إلى مجلس الأمن الدولي, حاثة إياه على زيادة عدد قواتها الموجودة ح