في وقت يكثف فيه قادة دول الاتحاد الأوروبي تهديداتهم هذا الأسبوع بتعليق مفاوضات انضمام صربيا إلى أوروبا الموحدة في ظل تخلفها عن توقيف الجنرال الفار "راتكو ملاديتش" المسؤول عن جرائم حرب، تروج شائعات بأن سلطات هذا البلد قد حاصرت الجنرال السابق وباتت على وشك اعتقاله. والواقع أنه في حال تمكنت صربيا من توقيف ملاديتش في الأيام المقبلة، فإن ذلك سيمكنها من دعم مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قبيل اجتماع مهم للاتحاد الأوروبي يوم غد الاثنين من المنتظر أن يبحث هذه المسألة.
ولعل الأهم من ذلك كله أن توقيت هذا التوقيف شاهد على أن جزرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي– والضغوط الممارسة على قادة جمهوريات البلقان- لعبت دوراً بالغ الأهمية بالنسبة لنجاح محكمة جرائم الحرب. وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي "جيمس ليون" في بلغراد: "الواقع أنه لم يكن ليتحقق أي شيء لولا تلك الضغوط".
ويبدو أن سياسة الاتحاد الأوروبي أتت أكلها إذ سلمت صربيا نحو عشرة مشتبه فيهم كانوا في حالة فرار إما عبر الاستسلام الطوعي أو صفقات أخرى، وذلك بعد أن لوح الاتحاد الأوروبي أمام صربيا العام الماضي بإمكانية دراسة انضمامها للاتحاد مستقبلاً. كما أن كرواتيا تجاوزت للتو عقبتها الأخيرة بعد أن قامت بتسليم آخر الجنرالات الفارين لديها في ديسمبر المنصرم، لتصبح بذلك البلد الوحيد من منطقة البلقان الغربي الذي يمكنه توقع الحصول على عضوية كاملة ىفي الاتحاد الأوروبي قبل 2010.
قامت محكمة يوغسلافيا منذ إنشائها من قبل الأمم المتحدة في 1993 بإدانة 191 متهماً، من بينهم الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش. وتعد هذه المحكمة أول محكمة دولية لجرائم الحرب منذ محاكمة الزعماء النازيين في نورمبورغ، وهو ما يعكس التطور المهم الذي شهده القضاء الدولي. وقد أعلنت رئيسة المدعين في المحكمة "كارلا ديل بونتي" الأربعاء المنصرم – أي بعد يوم واحد على الأخبار غير المؤكدة التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام البوسنية والصربية والتي تفيد باعتقال ملاديتش- أن دور الاتحاد الأوروبي مهم وأساسي، ولاسيما في هذا الظرف، وقالت "أحتاج الآن إلى دعم قوي من الاتحاد الأوروبي لحمل ملاديتش إلى لاهاي قريبا جدا"، مضيفة أن "الآجال الواضحة إذا ما أضيفت إلى عقوبات واضحة تنتج نتائج مبكرة". ومن المتوقع أن تتم تلبية طلبها في اجتماع مجلس وزراء الاتحاد يوم الاثنين للبت في مسألة تعليق مفاوضات انضمام صربيا من عدمها بسبب ملاديتش وأربعة مشتبه فيهم صربيين آخرين مطلوبين لدى المحكمة في لاهاي.
ومن جانبه، هدد مفوض الاتحاد الأوروبي المكلف بتوسيع الاتحاد أولي رين الخميس الماضي بتعليق المفاوضات في حال لم تبد صربيا تعاونا تاما حول مسألة توقيف ملاديتش. كما أعلن مصدر من الاتحاد الأوروبي في بلغراد أن "ثمة ضغوطا من الدول الأعضاء القوية في الاتحاد في اتجاه فرض عقوبات على صربيا إذا لم تتعاون– أعتقد 20 دولة عضو من أصل 25".
الجنرال السابق ملاديتش في حالة فرار منذ إدانته سنة 1995 بتهمة جريمة الإبادة الجماعية على خلفية المذبحة التي قتل فيها نحو 8000 مسلم بعد استيلاء قوات ملاديتش على مدينة سريبرينيتشا في البوسنة والهرسك، والتي كانت تحت حماية الأمم المتحدة خلال حرب البوسنة ما بين سنتي 1992 و1995.
وبالرغم من توقيع صربيا والبوسنة وكرواتيا على اتفاق السلام برعاية أميركية في مدينة "دايتون" أواخر ذلك العام، وتعهدها بتسليم المتهمين بارتكاب جرائم حرب إلى العدالة، ظل ملاديتش وآخرون طلقاء أحراراً – وذلك بالرغم من أن قوات حفظ السلام التابعة للنيتو وقوامها 60000 رجل كانت منتشرة في البوسنة في ذلك الوقت.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن قوات حلف شمال الأطلسي– التي كانت تضم 20000 أميركي- كانت تخضع لتعليمات دولها التي لم ترغب في القيام بعمليات التوقيف. وفي هذا الإطار، يقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة توفتس الأستاذ بروس هيتشنار، الذي ترأس مشروع اتفاق "دايتون" للسلام منذ منتصف التسعينيات "لقد كان الناتو والولايات المتحدة مترددين إزاء مسألة القبض على مجرمي الحرب– حيث كان يخشى كثيراً من أن تتعرض القوات للقتل ويصبح الوضع مشابهاً لما آلت إليه الأوضاع في الصومال في حال قامت بملاحقة المطلوبين لدى القضاء".
بيد أن الاتحاد الأوروبي سيشرع لاحقاً في إصدار قرارات منع السفر، وبدأت الوكالات الدولية في البوسنة تجمد ودائع الأشخاص المشتبه في صلتهم بالفارين، كما اشترط الناتو والاتحاد الأوروبي على الدول المعنية التعاون مع المحكمة مقابل الانضمام إليهما.
ويتوقع جيمس ليون أنه من المرجح أن يعلق الاتحاد الأوروبي المفاوضات مع صربيا الأسبوع المقبل إذا لم يتم توقيف ملاديتش قبل موعد الاجتماع، معتبرا أن إجراء من هذا القبيل سيكون أكثر من مجرد التأنيب، ذلك أن تعليق المفاوضات سيجعل المستثمرين الأجانب يفكرون مرتين قبل الإقدام على الاستثمار في صربيا، كما أن من شأن تعليق المفاوضات تفكيك التحالف