بمحاذاة حقول الذرة وحبوب الصويا وفزاعات الطيور، يصطف طابور من الشاحنات والعربات الكبيرة أمام مصنع، في منطقة "أورورا" بولاية ساوث داكوتا، ينتج كميات متزايدة من واحد من أكثر بدائل الوقود جاذبية في البلاد هذه الأيام. يقوم هذا المصنع الكبير بطحن كميات ضخمة من الذرة وتحويلها إلى مادة الإيثانول– وهي مادة كحولية تضاف إلى الغازولين، ووصفها الرئيس بوش بأنها أحد طرق التقليل من الاعتماد على نفط الشرق الأوسط، وإن كان بعض الخبراء يشككون في قيمتها. ويساهم استعمال وقود الإيثانول والغازولين في التقليل من استهلاك النفط وتحسين أداء المركبات.
وقد أصبحت شركة "فيراسان إينيرجي كوربوريشن" واحدة من أكبر منتجي الإيثانول في البلاد، حيث تعمل على مدار الساعة وتنتج 120 مليون غالون في السنة. ولكنها ما تزال غير قادرة على مواكبة الطلب المتزايد من قبل الشركات النفطية التي تقوم بمزج الإيثانول مع الغازولين. يقوم العمال هنا بإفراغ العشرات من أكياس الذرة في طاحونة توجد على مستوى الأرض، ما يتسبب في ضجيج قوي يشبه صوت العاصفة. والواقع أن استمرار هذا الصخب إنما يعكس النمو الكبير الذي تشهده تجارة الإيثانول، فحسب "جمعية الوقود المتجدد"، وهي جمعية مقرها واشنطن العاصمة، يوجد 34 مصنعاً قيد الإنشاء داخل الولايات المتحدة، بينما تجري توسعة ثمانية مصانع من المصانع الخمسة والتسعين الموجودة حالياً. كما يوجد 150 مشروعاً من مشاريع الإنشاء أو التوسعة قيد الإعداد حالياً. وتتركز أغلبية هذا النشاط في الوسط الغربي من الولايات المتحدة، بالقرب من أكبر المناطق إنتاجاً للذرة في البلاد.
ووراء تزايد الإقبال على الإيثانول عوامل متعددة، من بينها تراجع استعمال مادة إضافية أخرى تدعى"إم تي بي إي"، وهي مادة كانت في وقت من الأوقات المادة المفضلة من قبل صناعة النفط في البلاد، ولكنها باتت الآن في تراجع نظراً للحظر المعتمد في بعض الولايات والقضايا المرفوعة في المحاكم ضدها بتهمة تلويث المياه الجوفية. كما تعزى هذه الطفرة التي تشهدها صناعة الإيثانول أيضاً إلى التشريع الفيدرالي حول الطاقة الذي تم اعتماده العام الماضي، والذي ينص على استعمال كمية أكبر من المواد الإضافية. وقد علل المشرعون القانون الجديد بأنه سيساهم في تقليل الاعتماد على النفط ومساعدة المزارعين. وقد استهلكت الولايات المتحدة العام الماضي حوالي 4 مليارات غالون من الإيثانول، مقارنة مع 140 مليار غالون من الغازولين. ولئن كان المزيج المعمول به حالياً من الإيثانول والغازولين هو 10 في المئة مقابل 90 في المئة، فإن صناعة الإيثانول تدفع حالياً باتجاه استعمال أكبر لوقود يدعى "إي 85"، وهو خليط يتكون من 85 في المئة من الإيثانول و15 في المئة من الغازولين. ويوجه هذا الوقود للاستعمال في ما بات يعرف بمركبات "الوقود المرن" فقط، والتي تصنع خصيصاً للاشتغال بالغازولين العادي أو المزيج الذي يحوى نسبة كبيرة من الإيثانول. غير أن هذا التوجه لا يخلو من عراقيل، ذلك أن عدد المركبات المتوفرة داخل أميركا، والتي يمكن تشغيلها بهذا الوقود محدود جداً. كما أن 600 محطة وقود فقط من أصل الـ180000 محطة غازولين الموجودة عبر البلاد تبيع مزيج "إي 85". ثم إن وقود "إي 85" يباع في المحطات بسعر أغلى نسبياً من الغازولين. غير أنه من المتوقع أن تنتشر هذه الصناعة على نطاق واسع، وستستخدم خلال عشر سنوات جميع المحاصيل المتاحة من الذرة والحبوب، لتنتج 15 مليار غالون من الإيثانول في السنة.
هذا وتبذل صناعة الإيثانول جهوداً مكثفة في سبيل الترويج لاستعمال هذه المادة، حيث تسعى شركة "فيراسان" إلى إقناع محطات الوقود في الوسط الغربي ببيع مزيج "إي 85" بأسعار معقولة. وفي إحدى محطات الوقود القريبة من مصنع "أورورا" تم وضع شاشات على المضخة تعطي معلومات حول "إي 85". غير أن الصناعة تتوقع أنها ستستعمل في ظرف عشر سنوات جميع المحاصيل المتاحة من الذرة والحبوب، لتنتج 15 مليار غالون من الإيثانول في السنة.
ولذلك يأمل المستثمرون في صناعة الإيثانول أن يتمكنوا من زيادة الإنتاج باستخدام نوع جديد من الإيثانول يستخرج من مواد نباتية وبقايا زراعية كرقائق الخشب وسيقان النباتات كما جاء في خطاب الرئيس بوش حول "حالة الاتحاد". غير أن عملية الإنتاج تعد مكلفة جداً إلى درجة يصعب معها الصمود في وجه المنافسة. ولذلك دعا بوش في خطابه إلى دعم الأبحاث حول إنتاج الإيثانول مادياً، واعتبر أن "إحراز التقدم على هذا الصعيد وعلى صعيد تكنولوجيات جديدة سيساعدنا على تحقيق هدف كبير آخر، وهو تعويض أكثر من 75 في المئة من وارداتنا النفطية القادمة من الشرق الأوسط بحلول سنة 2025".
لكن الآراء تختلف وتتباين حول ما إذا كانت زراعة الذرة تتطلب طاقة أكبر من تلك التي ينتجها الإيثانول كوقود. فالكهرباء على سبيل المثال –والتي يتم الحصول عليها عادة من الغاز الطبيعي أو الفحم- ضرورية لتشغيل مصانع الإيثانول، كما أن أجهزة المزرعة لا تشتغل إلا بالمنتجات النفط