في الحادي والعشرين من فبراير الجاري انتهت آخر جولة للمحادثات بين روسيا وإيران في العاصمة الروسية موسكو, ضمن مسعى استهدف إيجاد مخرج للأزمة النووية الناشئة عن تمسك إيران بحقها في تخصيب اليورانيوم في إطار سعيها لمعالجة الوقود النووي. يشار إلى أن هذه الجولة لم تتوصل إلى حل حاسم للأزمة. وفيما لو عجزت إيران عن حلها بما يقنع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية, المتوقع انعقاد اجتماعه في السادس من شهر مارس المقبل, في العاصمة النمساوية فيينا, فليس مستبعداً أن يضطر مجلس الأمن الدولي لاتخاذ إجراءات بحق طهران في نهاية الأمر.
هذا وليس خفياً موقف ثلاث من الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن هي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا من الأزمة النووية الإيرانية. ومن قناعة هذه الدول الثلاث بأنه يجب فرض عقوبات دولية على طهران, على رغم أن الخلاف بينها لا يزال قائماً حول طبيعة ومدى العقوبات الدولية الواجب فرضها على إيران. ولعل الدور الروسي في هذه الأزمة, يظل هو المسألة السياسية الأصعب والأكثر تعقيداً التي تواجهها الأمم المتحدة لحظة اتخاذ القرار. ففيما لو ساندت موسكو اقتراح فرض عقوبات دولية على طهران, عندها لن يكون مرجحاً أن تمارس بكين حق النقض "الفيتو" ضد قرار بهذا المعنى. يشار أن موسكو أعربت في الآونة الأخيرة عن غضبها إزاء سلوك إيران وتعنتها, بما في ذلك التصريحات الأخيرة التي وردت على لسان رئيسها محمود أحمدي نجاد. وفوق ذلك يتعاظم يوماً إثر يوم إدراك الكثير من المحللين الروس للخطر الأمني الذي تمثله طهران على بلادهم, فيما لو قدر لها النجاح في تطوير ترسانتها النووية.
ويبدي المحللون أنفسهم قلقاً ومخاوف من صواريخ أرض-أرض البعيدة المدى, التي تعكف طهران على تطويرها حالياً. والمعلوم أنه سيكون في وسع هذه الصواريخ الوصول إلى عمق المدن الروسية الجنوبية, مما يعني كونها تهديداً أمنياً مباشراًُ للحدود الجنوبية لروسيا. ومن هنا يشاطر هؤلاء المحللون والخبراء الروس, الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل وبعض الدول العربية المجاورة, مخاوفها من أن برنامج التسلح النووي الإيراني يمثل تهديداً أمنياً خطيراً سواء كان على الصعيد الإقليمي أم الدولي.
وكما نعلم فإن لروسيا حساباتها وهواجسها الخاصة والمتصارعة بشأن الدور الذي يجب عليها أن تلعبه في كل من منطقة القوقاز وآسيا الوسطى وبحر قزوين. كما أن العلاقات السياسية الوطيدة التي تربط ما بين روسيا وإيران, وما تدره عليها تلك العلاقات مالياً واقتصادياً, تجعل من إيران إحدى الدول القليلة التي يمكنها الاعتماد عليها في تلك المنطقة المضطربة والمزعزعة من القارة الآسيوية. وهذا هو أحد الأسباب التي تفسر تردد موسكو وتلكؤها عن الالتحاق بركب كل من واشنطن والاتحاد الأوروبي في مواصلة الضغط على طهران, بما في ذلك الدفع باتجاه فرض عقوبات دولية عليها. وللسبب عينه تبذل موسكو جهوداً مستميتة وجبارة في سبيل إبرام صفقة مع طهران, تفضي لنزع فتيل الأزمة الراهنة قبل تفاقمها.
لكن ومهما يكن في الاجتماعين المرتقبين في كل من فيينا ونيويورك خلال الأسابيع القليلة المقبلة, فإن على روسيا توخي الحذر فيما يتعلق بدورها وموقفها النهائي من هذه الأزمة. ومما يستوجب ذلك أن الرئيس بوتين يتولى حالياً رئاسة مجموعة الدول الثماني الكبرى, ويواصل الإعداد لقمة هذه المجموعة بمدينة بطرسبورج خلال الفترة 15-17 من يوليو المقبل في بلاده. وهو يدرك جيداً مدى ضرورة نجاح هذه القمة, إن كان له أن يدفع عن نظامه حملة النقد المتنامية ضده في كل من الولايات المتحدة وأوروبا, خاصة وأنها حملة دعا فيها البعض إلى إسقاط عضوية روسيا نفسها في مجموعة الدول الثماني الكبرى. والخوف كل الخوف أن تبدو روسيا في نظر الأميركيين والأوروبيين في تلك القمة, بمثابة عقبة أمام ممارسة المزيد من الضغوط على طهران.
جيفري كمب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدير البرامج الاستراتيجية بمركز نيكسون-واشنطن