حظي ملف المساواة الجندرية في اليابان، لاسيما في الوظائف والرواتب والمكافآت وفرص العمل والترقي، باهتمام خاص منذ أواسط الثمانينيات التي شهدت تمرير قانون في البرلمان لضمان المساواة بين الجنسين في العمل. و قد تزايد هذا الاهتمام في السنوات الأخيرة، خاصة مع وجود رئيس الحكومة جونيتشيرو كويزومي في السلطة، وهو الذي يعتبر من أكثر ساسة البلاد انتصارا لإنصاف المرأة وتعزيز حقوقها.
صحيح أن أعداد النساء في مواقع العمل في اليابان كثيرة، حتى ليخيل للمتابع عدم وجود تمييز حقيقي ضدهن. إلا أن الحقيقة المرة هي أنهن في هذا البلد المتقدم لا زلن يعانين من الكثير من المشاكل وحالات التمييز الواضحة. فالكثيرات منهن لا يوظفن إلا في وظائف ثانوية أو يعملن بدوام جزئي أو بعقود عمل مؤقتة، ناهيك عن استبعادهن من المكافآت والعلاوات وبدلات العمل والسكن التي تصرف حصريا لأرباب الأسر، وأغلبهم بطبيعة الحال من الذكور.
وتفيد نتائج دراسة أعدها المنتدى الاقتصادي الدولي، ونشرت في مايو 2005، حول المساواة بين الجنسين في 58 اقتصادا من اقتصاديات العالم المتقدمة أو الصاعدة، أن اليابان تقبع حاليا في المرتبة 52 لجهة الفرص السياسية المتاحة أمام المرأة وفي المرتبة 54 لجهة الفرص الاقتصادية. وفي الدراسة المذكورة أيضا ما يفيد أن نسبة لا تتجاوز العشرة بالمئة فقط من المناصب الإدارية المتقدمة في ثاني أكبر اقتصاديات العالم تشغلها النساء، وأن 30 بالمئة فقط من النساء العاملات استطعن تجاوز القيود والمشاكل بعد الحمل الأول والاحتفاظ بوظائفهن.
إلى ذلك تبين من دراسة أخرى أعدتها دائرة ملحقة بمكتب رئيس الحكومة وخاصة بخطة المساواة الجندرية، أن 63 بالمئة من الشركات اليابانية ليس لديها أية خطط لتوظيف أعداد أكبر من النساء، رغم براعتهن المشهودة ومواهبهن الكثيرة في الاضطلاع بما يوكل إليهن من مهام.
أما الأمم المتحدة التي تبنت منذ عام 2000 برامج لتحقيق المساواة الجندرية في العالم، فتقول في دراسة أجريت على أحوال النساء في 70 دولة، واعتمدت على أربعة معايير رئيسية؛ هي عدد المقاعد النسائية في البرلمان ونسبة من يشغلن الوظائف الإدارية المتقدمة ونسبة النساء الحاصلات على تخصصات علمية وفنية من المجموع الكلي ومعدلات دخول النساء مقارنة بدخول الرجال، أن اليابان تحتل المرتبة 41.
ومما لا شك فيه أن هذه النتائج تعكس وتؤكد تخلف اليابان في تحقيق المساواة الجندرية مقارنة بدول متقدمة أخرى مثل كوريا الجنوبية، بل حتى مقارنة ببعض المجتمعات النامية كالفلبين التي تتحسن فيها أوضاع المرأة باضطراد. فكوريا الجنوبية المجاورة مثلا نجحت كثيرا في الارتقاء بأوضاع نسائها، ولاسيما على صعيد تمثيلهن في البرلمان بفضل تطبيقها لسياسات الكوتا والتي تشترط أن تكون نسبة 30 بالمئة على الأقل من المترشحين للانتخابات من النساء. أما في اليابان التي من الصعب تطبيق مثل تلك السياسات فيها، بسبب عدم وجود إجماع شعبي حولها، فإن نسبة المترشحات لانتخابات مجلس النواب في عام 2000 مثلا كانت 14.4 بالمئة من العدد الكلي، فيما كانت نسبتهن إلى الفائزين هي 7.3 بالمئة فقط. وبمقارنة هذه الأرقام بأرقام انتخابات عام 1996، نجد تقدما بنسبة 10.2 بالمئة لجهة عدد المترشحات وبنسبة 4.6 بالمئة لجهة الفائزات بالمقاعد، لكنه يظل تقدما طفيفا.
في أسباب تخلف اليابان على صعيد المساواة الجندرية في الوظائف، تبرز عدة عوامل أهمها مناخ الأعمال الذي يسيطر عليه الذكور بالكامل، وسيادة الثقافة التقليدية التي تقول إن "الرجل للعمل في الخارج، والمرأة للعمل في المنزل"، ناهيك عن ضعف مشاركة النساء في الحياة السياسية وبالتالي عدم امتلاكهن لصوت قوي داخل المؤسسة التشريعية لفرض التغيير.
ويرتبط بموضوع المساواة الجندرية في اليابان مسألة العنف الأسري والذي غالبا ما يقع على الزوجة من قبل زوجها أو على الفتيات من قبل آبائهن. حيث دلت دراسة أجريت في عام 2000 من قبل مكتب رئيس الحكومة، أن 4.6 بالمئة من الإناث أو واحدة من كل عشرين أنثى معرضة للعنف الأسري. وطبقا للكاتبة والناشطة اليابانية هيرومي آيكوتشي، فإن هذه الظاهرة التي كانت إلى وقت قريب من المواضيع التي يندر الحديث حولها بفعل ثقافة الخجل اليابانية، لا علاقة لها بالفقر أو الإدمان بقدر ارتباطها بالاكتئاب والضغوط النفسية الناجمة من وتيرة العمل المستمر والتنافس المحموم داخل المجتمع.
ولئن كان ما تحدثنا عنه هو مشكلة تعاني منها مجتمعات كثيرة بنسب متفاوتة، فإنها في اليابان مشكلة تسبب تحديا وأرقا كبيرين لصناع القرار لتأثيراتها الديموغرافية والاقتصادية السلبية. فمن بين كل أربع يابانيات توجد واحدة عزباء، لأنها تخشى فقدان وظيفتها إن هي أقدمت على الزواج والإنجاب بسبب ما يترتب على قرارها من مسؤوليات منزلية وتربوية، لا سيما في ظل غياب قوانين واضحة تفرض على أرباب الأعمال التساهل مع الأمهات العاملات لجهة ساعات العمل وإجازات الحمل والرضاعة وبدلات رعاية الأطفال، وغياب ثق