لماذا لا يكون لدينا صحافة اقتصادية تمتلك شعبية الصحافة الرياضية؟ ولماذا يتراجع لدينا الاهتمام بالصحافة الاقتصادية المتخصّصة، رغم أننا أحوج ما نكون إلى إعلام اقتصادي متخصّص يتجاوز العرض التقليدي لأسعار الأسهم وتداول أخبار البورصات وتصريحات المسؤولين في الحقل الاقتصادي؟ ولماذا لا تمتلك النشرات والملاحق الاقتصادية الجاذبية ذاتها التي تمتلكها الملاحق الرياضية حتى لدى صغار المضاربين في أسواق الأسهم ممن يفترض فيهم الحاجة إلى متابعة الأخبار الاقتصادية؟ في الرّد على هكذا تساؤلات، قد يستنكر البعض للوهلة الأولى المقارنة بين الرياضة والاقتصاد، على اعتبار أن هناك فروقات نوعية هائلة من حيث التناول والمعالجة الإعلامية، وأيضا من حيث طبيعة الجمهور المستهدف وغير ذلك، ولكن الواقع يشير إلى أن الاقتصاد نزل منذ فترة طويلة من برجه العاجي، ولم يعد شأنا تخصّصيا، لا سيّما في دولنا الخليجية، فالأغلبية لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالاقتصاد سواء لجهة المضاربة بأسواق الأسهم، أو لدواعٍ أخرى مثل امتلاك مشروعات تجارية أو حتى التفكير في طرق هذا الباب، وبالتالي فلم يعد هناك وجه استغراب من المقارنة، بل إن الحديث عن إعلام اقتصادي بـ "نكهة " الإعلام الرياضي ربما يمثل مطلبا ملحّا، لأننا بحاجة ماسّة إلى نشر الثقافة الاقتصادية وترويج الوعي الاقتصادي، كي نؤسّس لقاعدة قوية تمتلك المقدرة على تقييم الأوضاع الاقتصادية وفهم متغيّرات السوق وتطوّراته، وبحيث يصبح التحليل الاقتصادي "عادة شائعة" مثلما عليه الحال في التحليل الرياضي!
مشكلة الإعلام الاقتصادي هي جزء من مشكلة الصحافة المتخصّصة في عالمنا العربي، وهي مشكلة لم ينج منها سوى الإعلام الرياضي ربما لأسباب تتعلّق بالرياضات الشعبية تحديدا، فالصحافة المتخصّصة لدينا لم تزل دون المستوى، وجزء من مشكلة الصحافة الاقتصادية المتخصّصة تحديدا يكمن في ندرة الكوادر البشرية المؤهّلة، ناهيك بالطبع عن أسباب أخرى خارجة عن إرادة الإعلام والإعلاميين مثل شحّ المعلومات وصعوبة الحصول على الأرقام والإحصاءات، التي هي عماد العمل الإعلامي الاقتصادي وركيزته.
المشكلة أن الحديث عن صحافة اقتصادية شعبية لا يمتلك صدى إيجابيا لدى الكثيرين بسبب الدلالة اللفظية لكل ما هو "شعبي"، فالشعبي في نظر الكثيرين هو الأدنى دائما بسبب الإطار الدلالي الذي يجعل من المصطلح أمرا غير مستساغ لأسباب واعتبارات كثيرة لا مجال لمناقشتها في هذا الحيّز، ولكن المهم هنا أن نأخذ من صفة "الشعبية" معناها الظاهري المجرد من الدلالات والإيحاءات، ونقتصر على معدلات التداول والمقروئية، بحيث نطالب بصحافة اقتصادية تمتلك مواصفات الانتشار الجماهيري وجاذبية القوالب الفنية الشعبية في الوعي الجمعي للشعوب. فالتطوّرات الاقتصادية في دول "مجلس التعاون" تستوجب معالجة القصور، فالإعلام الاقتصادي لم يعد إعلام النخبة، في حين أن معظم الأخبار والتحليلات تصنع وتتدفّق عبر وكالات الأنباء العالمية، وتكاد مهمّة الإعلام الاقتصادي في دولنا تقتصر على نشر أو بث هذه الأخبار والتحليلات من دون الانتقال إلى خطوة صناعة الخبر والتحليل ونشر الثقافة الاقتصادية التي باتت مطلبا حقيقيا يرتبط بتطور المجتمعات ونموها، ولعل في تعطش السوق والتنامي السنوي الواضح للإنفاق الإعلاني ما يحفّز الصحافة الاقتصادية ويوفر لها أسباب النجاح مقدّما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية