على الرغم من بساطة هذا السؤال، فربما يرى بعضهم أن الإجابة البديهية والسريعة عنه تفيد بعدم وجود أي فرق بين بوش الصغير والولايات المتحدة الأميركية، إلا أن موضوعية الإجابة عن هذا التساؤل وما يحدث في الواقع يفيدان بغير ذلك، خاصة أن التاريخ الحديث والمعاصر يشيران إلى وجود فروق واضحة بين أميركا كمجتمع ودولة لها خصائص معينة، وبين الإدارات المتعاقبة التي تولت الحكم فيها. وإذا كان كثيرون سيعارضون هذه الحقيقة تحت زعم أن الإدارة الأميركية تعبر عن إرادة الشعب الأميركي ومصالحه وطموحه، فإنني على يقين من أنهم على خطأ؛ فمقارنة بسيطة، وإن كانت غير منطقية في آن واحد، بين طموحات معظم الزعماء العرب ومطالب واحتياجات شعوبهم ربما تقرب الصورة نوعاً ما للمعترضين.
إن أميركا كمجتمع متحضر كان وربما لا يزال يمثل الحلم والأمل لمعظم شباب العالم لما يتسم به من خصائص وسمات من أهمها:
* توافر قدر من الحرية الكاملة بأشكالها وصورها لمعظم أفراد المجتمع، الأمر الذي يتيح لهم التعبير بكل صدق عن آرائهم ومواقفهم دون خشية الاعتقال أو مصادرة الأموال أو الاضطهاد للشخص ولكل من له علاقة به من أقارب وأصدقاء ومعارف وجيران.
* قدرة المسؤولين والمواطنين على قول الصدق والحق في وجه صاحب السلطة، وليس قول ما يحب أو يريد أن يسمعه.
* احترام إرادة الناخب، فصوته الانتخابي يمنحه من يراه مناسباً لتحقيق مصالحه، وهو يعلم أن صوته مؤثر.
* احترام آدمية الإنسان من مستوى معيشة وتعليم ورعاية صحية وتأمين تقاعدي، وإنذاره الفوري عن انتشار أية أمراض وبائية واتخاذ الإجراءات الوقائية والعملية لمواجهتها.
* احترام عقلية المواطن ودوره في خدمة وطنه، بالاعتراف بالخطأ فور كشفه ومحاسبة المسؤول عنه.
* احترام الدستور وعدم تخليد الحكام والمسؤولين، فالتغيير سمة الحياة وضخ دم جديد في السلطة أمر أقره الدستور، والاعتراف بأن المسؤول بشر له طاقة محدودة وقدرة على التحمل لا تستمر مدى الحياة.
* توافر فرص عمل متنوعة للشباب، بحيث يستطيع أي شاب أن يوفر قوت يومه ومصروفاته ولا يظل عالة على أسرته.
* الاعتراف بالكفاءات في المجالات المختلفة، ومنحها الفرصة لتستكمل طريقها في الإبداع.
* سهولة الزواج وإقامة أسرة لعدم وجود أزمة مساكن أو تكاليف باهظة تجعل الزواج حلماً مستحيل التحقيق.
* الشرطة دائماً في خدمة الشعب، ولحمايته وتأمين ممتلكاته.
* احترام الشعوب الأخرى وتقدير جهودها والسعي للتقارب معها، ومراعاة خصوصيتها.
* شعور الحكومات الأميركية، سواء على المستوى الاتحادي أو في كل ولاية، بأنها جاءت لخدمة الشعب الأميركي وليس العكس، ومن حق كل فرد أن يوجه انتقاده لأي مسؤول ويعارضه أو يتفق معه.
وغير ذلك الكثير من خصائص "الحلم الأميركي"، رغم اعترافنا بانتفاء المثالية والمدن الفاضلة، ووجود مشكلات كثيرة تواجه المجتمع الأميركي، إلا أن السمات العامة لهذا المجتمع تظل إيجابية بما تحمله من تفاؤل وأمل لكثيرين.
وإذا انتقلنا للإدارة الأميركية برئاسة بوش الصغير سنجدها تحمل كثيراً من السلبيات، وإن كان جهد هذه الإدارة وغيرها من الإدارات السابقة يركز على المصالح الأميركية الكونية، لذا فقد يصيب أو يخطئ، ولكنه على قناعة تامة بأنه سيغادر البيت الأبيض إما بعد أربع سنوات وإما بعد ثماني سنوات فقط، وعليه أن يبذل قصارى جهده في أداء مهامه الرئاسية لأن التاريخ لن يرحمه.
هناك سمات وخصائص معينة اتسم بها عصر بوش الصغير، أتت له بكره العالم بأسره، فقد روج بأكاذيب واضحة لمبررات غزو العراق، وبدلاً من أن يعالج أسباب كره العالم للسياسة الأميركية المتطرفة، أو على الأقل يفكر في الأسباب الكامنة وراء ما يحدث من تهديدات للمصالح الأميركية، جعل الأميركيين يعتقدون بأن دولتهم مستهدفة بسبب حريتها وديمقراطيتها وثروتها. ثم شن هجوماً كاسحاً على أفغانستان، أفقر دول العالم وأكثرها تخلفاً، الأمر الذي طرح سؤالاً ملحاً على الساحة العالمية: من يقتل عدداً أكبر من الناس الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة، هل هم الإرهابيون الذين لا يملكون شيئاً من القوة العسكرية؟ أم الأميركيون بما لديهم من قدرة عسكرية هائلة؟ ثم ما الذنب الذي اقترفه الشعب الأفغاني ليتم عقابه على هذا النحو؟
ثم تكرر الأمر في العراق، ولكن بصورة أكثر إرهاباً وإيلاماً وتعذيباً، فقد دفع الشعب العراقي ثمن ديكاتورية نظام صدام حسين، وجرت معاقبة دولة بأسرها نتيجة تمرد عدد محدود من أفرادها على الإرادة الأميركية، وهو ما قد يقود إلى نشوء أجيال عربية من الكارهين لأميركا وزعمائها. كما أن حرب بوش الصغير على الإرهاب محكوم عليها بالفشل مثلما حدث لحرب واشنطن على المخدرات، وذلك لفهمها القاصر عن الإرهابيين وأهدافهم وتوجهاتهم، وسبب عدائهم لأميركا، والدوافع المباشرة لأعمالهم الإرهابية تتمثل عادة في الانتقام لأعمال اقترفتها الإدارة الأميركية.
ثم نجد إدارة بوش الصغير تسعى إلى إقامة الديمقراطية في الدول العربية، باعتبارها الطريق الوحيد