تسرع الصين خطاها من أجل عقد صفقة نفطية كاملة مع إيران بقيمة 100 مليار دولار ستسمح لمؤسسة طاقة تمتلكها الحكومة الصينية بلعب دور رئيس في تنمية حقل بترول ضخم في إيران، مما سيعقّد من محاولات إدارة بوش لعزل الدولة الشرق أوسطية، وإجبارها على التراجع عن خططها الرامية لتطوير أسلحة نووية حسب التقارير المنشورة في هذا الشأن.
وإكمال هذه الاتفاقية، سيصب في مصلحة المساعي الصينية للبحث عن مخزونات جديدة للطاقة في العالم، كما يمكن أن يؤدي أيضاً إلى تقويض المبادرات الأميركية والأوروبية الرامية لإيقاف خطط إيران النووية، وإلى توليد نقاط احتكاك في علاقات بكين مع القوى الخارجية.
وقد جاء في تقرير نشرته مجلة "كايجنج" وهي مجلة مالية رصينة تصدر في بكين على موقعها على شبكة الإنترنت أن هناك وفداً صينياً يضم موظفين من "مجلس التنمية الوطنية والإصلاح"، وهو هيئة عليا مختصة بالسياسات الاقتصادية في الصين، ينوي أن يزور إيران في بداية الشهر القادم، لإبرام تلك الصفقة. وستؤدي هذا الصفقة إلى منح التصريح اللازم لمؤسسة "تشينا بيتروليوم آند كيميكال كوربوريشن" المعروفة اختصاراً باسم "صينوبيك" لتنمية حقل "يادافران" النفطي الواقع جنوب غرب إيران.
وبكين وطهران تحاولان التوقيع على تلك الصفقة بسرعة وتحديداً في الأسابيع الخمسة القادمة، استباقاً للعقوبات المحتملة التي قد يتم فرضها على إيران، كما جاء في تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" على لسان مسؤولين إيرانيين حكوميين لم تذكر أسماءهم.
التجارة بين الصين وإيران نمت بسرعة، وإن كانت لا تزال صغيرة نسبياً -حيث ارتفعت من 1,2 مليار دولار في عام 1998 إلى ما يقرب من 10 مليارات دولار العام الماضي حسب مصادر وزارة التجارة الصينية. وقد رفض المسؤولون الصينيون التعليق على ذلك، كما لم يرد أحد على المكالمات الهاتفية لمكاتب "صينوبيك".
ومن ثم، فإن عقد صفقة نفطية بين الصين وإيران سيعزز من مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين في أكتوبر 2004، التي تشمل تعهداً بأن شركة "صينوبيك" ستقوم بتطوير حقل "يادافران" النفطي الإيراني مقابل شراء 10 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً على امتداد ربع قرن.
ويقول المحللون في الصين إنه يجب النظر إلى الصفقة مبدئياً، على أنها تمثل جزءاً من حملة الصين الرامية إلى البحث عن مصادر جديدة للطاقة لتشغيل مشاريعها التنموية، وهي الحملة التي قادت الشركات الصينية في السنوات الأخيرة للاستثمار في إندونيسيا وأستراليا وفنزويلا والسودان وكازاخستان.
وتخوض الصين في الوقت الراهن منافسة حامية الوطيس مع اليابان على الوصول إلى حقول النفط الضخمة المحتمل وجودها في روسيا.
ولكن السرعة التي تتحرك بها كل من الصين وإيران من أجل التوقيع على هذه الاتفاقية ومن ثم البدء في تطوير الحقول، تشير على ما يبدو إلى نية بكين التصدي للحملة التي تقودها الولايات المتحدة من أجل فرض عقوبات على إيران للحد مما تصفه واشنطن بالمحاولة الإيرانية "المارقة" لتطوير أسلحة نووية.
وباعتبارها إحدى الدول العظمى الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، فإن الصين تستطيع استخدام حق "الفيتو" للاعتراض على أي مقترح لفرض عقوبات على إيران داخل المجلس، أو تستطيع على الأقل التهديد باستخدام ذلك الحق، كي تحد من تأثير ونطاق مثل هذه المبادرات من جانب الدول الأعضاء في المجلس.
ويقول "شين دينجلي" خبير العلاقات الخارجية بجامعة "فودان" بشنغهاي:"إن التوقيت لافت للنظر حقاً، وعلى ما يبدو أن الصين وإيران تتعاونان ليس فقط من أجل تطوير الطاقة، ولكن أيضا من أجل رفع نسبة الخطر التي يمكن أن تتعرض لها السوق النفطية في حالة فرض عقوبات على إيران".
وشره الصين النفطي الشديد هو الذي يقوم حالياً وبشكل متزايد بتوجيه سياستها الخارجية. فهذا الشره كان دافعاً للصين للتلويح باستخدام حق الفيتو للحد من العقوبات الموجهة ضد السودان الدولة الأفريقية التي تعتبر فيها مؤسسة" تشاينا ناشيونال بيتروليوم كوربوريشن" وهي أكبر مؤسسة صينية عاملة في مجال النفط، هي أكبر مستثمر في "كونسورتيوم" نفطي تقوده الحكومة السودانية. والصين هي أكبر الدول المستوردة للنفط من السودان كما تعتبر في الوقت نفسيه المورد الأول للأسلحة إليها.
والمسعى الصيني لعقد صفقة مع إيران، يأتي في وقت أعلنت فيه طهران استئنافها لبرنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم. وتقول إيران إن هذا البرنامج موجه فقط لأهداف توليد الطاقة، في حين أن إدارة بوش تؤكد على أنه مؤشر على قيام إيران بتطوير أسلحة نووية.
ويذكر أن الصين قد حثت طهران على التوقف عن خططها النووية، ولكن المسعى الصيني الدؤوب لتوقيع صفقة نفطية مع إيران يبرز في الوقت نفسه الكيفية التي أصبح بها أمن الطاقة هاجساً رئيسياً بالنسبة لبكين، في الوقت الذي تشهد فيه نمواً صناعياً متواصلاً. والتنبؤات الحكومية الصينية تبين أن الطلب الصيني على النفط المستورد سيرتفع من ثلث احتياجاتها الكلية حالياً إلى 60 في المئة