في خطابه الذي ألقاه الشهر الماضي حول "حالة الاتحاد"، أعلن رئيس الولايات المتحدة جورج بوش عن مخطط يرمي إلى تعزيز صفوف معلمي العلوم والرياضيات الحاصلين على شهادات الدورات التدريبية المتخصصة بـ70000 معلم، على مدى أربع سنوات، وهو ما من شأنه أن يضاعف عدد المعلمين الحاليين لهذه المواد ثلاث مرات. وتطمح الإدارة الأميركية إلى أن يساهم هذا المخطط في جعل مواد المستوى الجامعي في متناول المزيد من الطلبة المنتمين إلى أسر محدودة الدخل.
لا يقضي المخطط الذي كشف عنه الرئيس الأميركي بتوظيف معلمين جدد، وإنما يقترح تنظيم دورات تدريبية متخصصة لمعلمي العلوم والرياضيات الحاليين. ويأتي المخطط الجديد استجابة للتحذير الذي أصدرته "الأكاديمية القومية للعلوم" في الآونة الأخيرة، فحسب تقرير أصدرته هذه الأكاديمية، يدرس حوالي 60 في المئة من تلاميذ الصف الثامن في المدارس الأميركية مادة الرياضيات على يد معلمين غير متخصصين في الرياضيات أو لم يِدرسوها لاجتياز امتحان الكفاءة.
وفي هذا السياق، اعتبرت وزيرة التربية "مارغاريت سبيلينغز" أن "هذه الدورات التدريبية المتخصصة وسيلة فعالة وناجحة لتزويد المعلمين بالمهارات والقدرات اللازمة لتدريس هذه المواد". وأضافت أنه في حين ارتفع عدد الطلبة الذين يقبلون على هذه الدورات خلال السنوات الأخيرة، فقد اقتصر هذا الارتفاع على الطلبة الميسورين. وعلى سبيل المثال، ساقت السيدة "سبيلينغز" نموذج مدرسة ثانوية في "ماكلين" بولاية فرجينيا حيث يمكن للطلبة الاختيار من بين إحدى وعشرين دورة تدريبية متخصصة في حين لا يوجد في "بالو هاي" في العاصمة واشنطن سوى أربع دورات. وعلى غرار الدورات التدريبية المتخصصة، يقدم برنامج "الثانوية العامة الدولية" لتلاميذ المدارس الثانوية مواد تتيح لهم إمكانية كسب نقاط تحتسب لهم في ساعاتهم المعتمدة حين الانتقال إلى الجامعة.
ويأتي مقترح رئيس الولايات المتحدة ترجمة للتوصيات التي قدمتها الأكاديمية في تقريرها الأخير. وحسب التقرير، فقد استند المقترح إلى مبادرة مشابهة تم تطبيقها في مدينة دالاس بولاية تكساس أدت إلى رفع المشاركة في مواد العلوم والرياضيات، ولاسيما في أوساط الطلبة المنحدرين من الأقليات، والذين اجتازوا الدورات التدريبية المتخصصة في العلوم والرياضيات والإنجليزية بمعدل يضاعف معدلات مناطق أخرى من البلاد بأربع مرات.
بيد أن البرنامج الذي طبق في مدينة دالاس استعمل المحفزات المالية بهدف تشجيع المعلمين والطلبة على الاهتمام بالدورات التدريبية المتخصصة والإقبال عليها، حيث منحت للمعلمين الذين يحصلون على إحدى شهادات هذه الدورات مكافأة قدرها 2000 دولار في السنة، إضافة إلى 100 دولار لكل طالب يجتاز أحد امتحانات هذه الدورات بنجاح. وبالتالي يدفع البرنامج معظم رسوم إجراء امتحان هذه الدورات ويمنح الطلبة "منحا دراسية صغيرة" قدرها 100 دولار عن كل امتحان يجتاوزونه.
غير أن الرئيس لم يشر خلال حديثه عن هذه المبادرة إلى المحفزات المالية لتشجيع الطلبة والمعلمين، وهي المحفزات التي يعتبرها كثير من الخبراء من أمثال "بيتر أودونل جونيور"، رئيس مؤسسة أودونل التي لعبت دورا كبيرا في البرنامج المعتمد في مدينة دالاس، مهمة وضرورية من أجل إنجاح البرنامج. وفي هذا الإطار، يقول السيد "أودونل": "إن للمعلمين دوراً مركزياً في تشجيع الطلبة على الإقبال على هذه الامتحانات، إذ يعود إليهم الفضل في ازدياد الإقبال كل سنة". وتجدر الإشارة هنا إلى أن السيد "أودونل" هو أحد أعضاء اللجنة التي أنيطت بها مهمة إنجاز تقرير الأكاديمية القومية، والمعروف باسم "مواجهة العاصفة المقبلة".
لقد رسم تقرير الأكاديمية صورة قاتمة لتدني مستوى تعليم العلوم والرياضيات في الولايات المتحدة، ودق ناقوس الخطر محذراً من أنه ما لم تتخذ الحكومة إجراءات عاجلة، فإن أميركا قد تفقد قوتها التنافسية وزعامتها في العلوم والرياضيات، وتتخلى عنها لفائدة دول مثل الهند والصين، حيث يلقى تعليم العلوم والرياضيات إقبالا متزايداً وحيث اليد العاملة رخيصة. وحسب التقرير، تشير الإحصائيات إلى أن 110 مصانع كيمياوية أغلقت سنة 2004 في الولايات المتحدة أو أنها كانت تستعد للإغلاق، ومن بين المصانع المئة والعشرين الكيمياوية الكبيرة والجديدة التي توجد قيد الإنشاء، واحد فقط من المنتظر أن يبنى في الولايات المتحدة في حين من المرتقب أن تحتضن الصين 50 مصنعاً منها.
وتعليقا على ما ورد في خطاب الرئيس، عبر أعضاء الأكاديمية القومية عن سعادتهم إزاء دعم الرئيس لتوصياتهم أمام الشعب وتعهده باتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة هذه المشكلة. بيد أن السيد بوش لم يتبن أولى توصيات اللجنة، والتي تدعو إلى تخصيص منح دراسية يصل مجموعها إلى 80000 دولار خلال سنوات الدراسة الأربع للطلبة الجامعيين الذين يتخصصون في العلوم أو الرياضيات والذين يوافقون على التدريس في المدارس العمومية لفترة خمس سنوات. وعوض أن يقوم بذلك، دعا إلى التعاون مع 30000 متخص