العنوان الكامل للمقال كان لا للدفاع عن الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنني خشيت على نفسي من فتوى مستعجلة تخرجني من الملة لأن الناس اليوم أو معظمهم لا يقرؤون النصوص كاملة بل يقتطعون منها بعض الكلمات كي يثيروا حول أهلها الأقاويل والإشاعات، فلو قال لكم أحد إن خليفة السويدي ينكر الدفاع عن الرسول عليه الصلاة والسلام قولوا له وبكل صراحة، لم تكمل المقال الذي كتبه خليفة، المقال فكرة خطرت في بالي بعد حوار شيق جمعني القدر فيه بإحدى المثقفات من الإمارات فلها مني خالص التقدير على إثارة هذه الفكرة.
الدفاع هو أسلوب الضعيف، لأنه عبارة عن ردة فعل تنتظر المبادرة من الخصم، وتحت كل الظروف فإنك لن تتوقع ما هي مخططات الخصم المستقبلية، كما أنك تكون في منعطف ضعف لأنك مفعول به منصوب الإرادة ولست فاعلاً مرفوع الرأس.
تنادت الكثير من الأوساط الإسلامية للدفاع عن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، واختلفت الأساليب المتبعة فمنهم من قتل نفسه وهو يزعم أنه يدافع عن الرسول عليه الصلاة والسلام وآخرون تجاوزوا معاهدات دولية مقرة من الشريعة الإسلامية ألا وهي حقوق السفراء والدبلوماسيين كل ذلك تحت مبدأ الدفاع، وفئة ثالثة جاهلة طالبت برسم صور منكرة لشخصيات محترمة عند الغربيين، إذاً تعددت الوسائل والموت واحد لأن المدافع ميت ينتظر من يغسله علَّ الحياة تعود له من جديد.
دعوني أسوق لكم مثلا في التاريخ الحديث عن خطط هجومية نجحت في تغيير مسيرة التاريخ ورسمت صورا جديدة لم تكن موجودة، من استعرض منكم رأي الغربيين في اليهود فإنه سيجد مبدأ الكراهية هو السائد ومن لا يصدقني عليه قراءة قصص أديب الإنجليز شكسبير وأهمها "تاجر البندقية" وكيف صور اليهودي في هذه القصص. كيف نجح اليهود في تغيير صورتهم المزرية عند الغربيين؟ هذا هو ما أسميه خطط الهجوم وليس ردود الفعل العاطفية، لقد نجح اليهود مثلا بعلاقتهم المتأنية مع غيرهم في تغيير الكثير من المواقف فقد استخرجوا فتوى من الفاتيكان تبرئهم من دم المسيح، حتى أن بعضهم اقتبس من القرآن قوله تعالى "وما قتلوه وما صلبوه" كي يؤكدوا مثل هذه الفكرة. كما أنهم نجحوا في استخلاص قانون دولي يجرم من يتهجم على السامية في العالم كله ويجعله مجرما دوليا، وقبل ذلك نجحوا في إصدار وعد بلفور المشهور لديكم، كما أنهم نجحوا في التحكم في العديد من المؤسسات الغربية، ففي الجامعات العريقة لديهم أساتذة علماء في تخصصاتهم، وفي الإعلام لديهم كتاب وصحفيون نشطون، وفي المال عندهم سلطة على جل المصارف والمؤسسات المالية الدولية، وفي البرلمانات نجحوا في إيصال نفر منهم وطائفة ممن يؤيدهم، وبعد ذلك نسأل لم حققت إسرائيل أهدافها، إنه مبدأ التخطيط العاقل للمستقبل أو ما يعرف بصناعة المستقبل الذي فشلنا نحن فيه لأن أمورنا عبارة عن ردة فعل عاطفية أخذنا فيها موقع الدفاع وليس المبادرة.
إن ما يحتاجه الرسول عليه الصلاة والسلام منا هو نشر رسالته في العالم وتقديم الإسلام كبديل حضاري للفلسفات الغربية المفلسة، ولو نجحنا في هذا لرأينا أن قوة الإسلام الواقعية هي أدعى للإيمان به فلو رأى الناس الإسلام وهو حي لعرفوا أن فيه خلاص البشرية لكنهم رأوا الصورة المشوهة منه، فكفانا دفاعا مشوها عن الإسلام ودعونا نبادر بتطبيقه بصورته الجميلة كما أراده الله تعالى الذي علمنا في القرآن "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً"، نعم فالإسلام يقول لنا كونوا أذكياء واستخدموا عقولكم أكثر من عواطفكم كي تحققوا أهدافكم.